(نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ) ـ الوجه الأول ـ النسيان : نعت إلهي فنسيهم كما يليق بجلاله. ـ الوجه الثاني ـ (نَسُوا اللهَ) : أي أخروا أمر الله فلم يعملوا به (فَنَسِيَهُمْ) فأخرهم الله في النار حين أخرج منها من أدخله فيها من غيرهم ـ الوجه الثالث ـ (فَنَسِيَهُمْ) أي أنه تعالى لما عذبهم عذاب الأبد ، ولم تنلهم رحمته تعالى صاروا كأنهم منسيون ، عنده ، وهو كأنه ناس لهم ، أي هذا فعل الناسي ، ومن لا يتذكر ما هم فيه من أليم العذاب ، وذلك لأنهم في حياتهم الدنيا نسوا الله ، فجازاهم بفعلهم ففعلهم أعاده عليهم للمناسبة. ـ الوجه الرابع ـ من باب الإشارة لا التفسير ـ (نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ) أي تركوا حق الله ، فترك الله الحق الذي يستحقونه ، فلم يؤاخذهم ولا آخذهم أخذ الأبد ، فغفر لهم ورحمهم ، وهذا يخالف ما فهمه علماء الرسوم ، لأن الناسي هنا إذا لم ينس إلا حق الله الذي أمره الله بإتيانه شرعا فقد نسي الله ، فإنه ما شرعه إلا الله فترك حق الله ، فأظهر الله كرمه فيه ، فترك حقه ولم يكن حق مثل هذا إلا ما يستحقه وهو العقاب ، فعفا عنه تركا بترك ، مقولا بلفظ النسيان ، فأفضل الله عليهم منة منه ابتداء ، ألا ترى الله يقول في تمام هذه الآية : (إِنَّ الْمُنافِقِينَ هُمُ الْفاسِقُونَ) ولم يقل إنهم هم الفاسقون فقوله تعالى : (إِنَّ الْمُنافِقِينَ هُمُ الْفاسِقُونَ) ابتداء كلام آخر ما فيه ضمير يعود على هؤلاء المذكورين ، وكل منافق فاسق ، لأنه خارج من كل باب ، فيخرج للمؤمنين بصورة ما هم عليه ، ويخرج للكافرين بصورة ما هم عليه.
(وَعَدَ اللهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْكُفَّارَ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللهُ وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ (٦٨) كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوالاً وَأَوْلاداً فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) (٦٩)
قال تعالى فيمن يموت وهو كافر (حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ).