كما أمره الله وأخبر الله أن صلاته سكن للمتصدق ، يسكن إليها ، وهذه صفات تناقض النفاق وما يجده المنافق عند الله ، فلم يتمكن لهذه الشروط أن يأخذ منه رسول الله صلىاللهعليهوسلم الصدقة لما جاءه بها بعد قوله ، وامتنع أيضا بعد موت رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن أخذها منه أبو بكر وعمر ، لما جاء بها إليهما في زمان خلافتهما ، فلما ولي عثمان بن عفان الخلافة جاء بها فأخذها منه ، متأولا أنها حق الأصناف الذين أوجب الله لهم هذا القدر في عين هذا المال ، وهذا الفعل من عثمان من جملة ما انتقد عليه ، وينبغي أن لا ينتقد على المجتهد حكم ما أداه إليه اجتهاده ، فإن الشرع قد قرر حكم المجتهد ، ورسول الله صلىاللهعليهوسلم ما نهى أحدا من أمرائه أن يأخذ من هذا الشخص صدقته ، وقد ورد الأمر الإلهي بإيتاء الزكاة ، وحكم رسول الله صلىاللهعليهوسلم في مثل هذا قد يفارق حكم غيره ، فإنه قد يختص رسول الله صلىاللهعليهوسلم بأمور لا تكون لغيره لخصوص وصف ، إما تقتضيه النبوة مطلقا أو نبوته صلىاللهعليهوسلم ، فإن الله قال لنبيه صلىاللهعليهوسلم في أخذ الصدقة (تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها) وما قال : «يتطهرون» ولا «يتزكون بها» فقد يكون هذا من خصوص وصفه ، وهو رؤف رحيم بأمته ، فلو لا ما علم أن أخذه يطهره ويزكيه بها وقد أخبره الله أن ثعلبة بن حاطب يلقاه منافقا ، فامتنع أدبا مع الله ، فمن شاء وقف لوقوفه صلىاللهعليهوسلم كأبي بكر وعمر ، ومن شاء لم يقف كعثمان لأمر الله بها العام ، وما يلزم غير النبي صلىاللهعليهوسلم أن يطهر ويزكي مؤدي الزكاة بها ، والخليفة فيها إنما هو وكيل من عينت له هذه الزكاة أعني الأصناف الذين يستحقونها ، إذ كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم ما نهى أحدا ولا أمره فيما توقف فيه واجتنبه ، فساغ الاجتهاد وراعى كل مجتهد الدليل الذي أداه إليه اجتهاده ، فمن خطأ مجتهدا فما وفاه حقه ، وإن المخطىء والمصيب منهم واحد لا بعينه.
(أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ وَأَنَّ اللهَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ) (٧٨)
اعلم أن العلم بالأمر لا يتضمن شهوده فدل أن نسبة رؤيتك الأشياء غير نسبة علمك بها ، فالنسبة العلمية تتعلق بالشهادة والغيب ، فكل مشهود معلوم ما شهد منه ، وما كل معلوم مشهود ، وما ورد في الشرع قط أن الله يشهد الغيوب ، وإنما ورد يعلم الغيوب ، ولهذا وصف نفسه بالرؤية فقال : (أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللهَ يَرى) ووصف نفسه بالبصر وبالعلم ،