عَلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (١٠٢)
اعلم أن الشرط المصحح لقبول جميع الفرائض فرض الإيمان ، فما من مؤمن يرتكب معصية ظاهرة أو باطنة إلا وله فيها قربة إلى الله ، من حيث إيمانه بها بأنها معصية ، فلا يخلص لمؤمن عمل سيء دون أن يخالطه عمل صالح ، ولا تخلص له معصية غير مشوبة بطاعة أصلا ، وهي طاعة الإيمان بكونها معصية ، فيؤجر على الإيمان بها أنها معصية ، فهو في مخالفته طائع عاص ، قال تعالى : (وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً) فهذا معنى المخالطة فالعمل الصالح هنا الإيمان بالعمل الآخر السيّىء أنه سيّىء. واعلم أنه من المحال أن يأتي مؤمن بمعصية توعد الله عليها فيفزع منها ، إلا ويجد في نفسه الندم على ما وقع منه ، وقد قال صلىاللهعليهوسلم ، الندم توبة ، وقد قام به الندم فهو تائب فسقط حكم الوعيد ، على عكس قول المعتزلي القائل بإنفاذ الوعيد فيمن مات عن غير توبة ، لحصول الندم فإنه لا بد للمؤمن أن يكره المخالفة ولا يرضى بها ، وهو في حال عمله إياها ، فهو من كونه كارها لها مؤمن بأنها معصية ذو عمل صالح ، وهو من كونه فاعلا لها ذو عمل سيّىء ، فغايته أن يكون من الذين خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا فقال تعالى عقيب هذا القول : (عَسَى اللهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ) وهو سبحانه يعلم ما يجريه في عباده ومع هذا جاء بلفظ الترجي ، وقال العلماء : إن عسى من الله واجبة فإنه لا مانع له والتوبة الرجوع فمعناه أن يرجع عليهم بالرحمة وبالمغفرة ، وتبديل السيئات والقبول ، فيغفر لهم تلك المعصية بالإيمان الذي خلطها به ، فإنه وقع الترجي للعبد من الله في القبول ، ويرزقهم الندم عليها ، والندم توبة ، فإذا ندموا حصلت توبة الله عليهم ، فالمؤمن هنا ذو عمل صالح من ثلاثة أوجه ، الإيمان بكونها معصية ، وكراهته لوقوعها منه ، والندم عليها ، وهو ذو عمل سيّىء من وجه واحد ، وهو ارتكابه إياها ، ومع هذا الندم فإن الرهبة تحكم عليه ، سواء كان عالما بما قلناه أو غير عالم ، فإنه يخاف وقوع مكروه آخر منه ، ولو مات على تلك الرهبة فإن الرهبة لا تفارقه ، وينتقل تعلقها من نفوذ الوعيد إلى العتاب الإلهي والتقرير عند السؤال على ما وقع منه. واعلم أن متعلق عسى هنا رجوعه عليهم بالرحمة ، لا رجوعهم إليه ، فإنه ما ذكر لهم توبة ، وما ذكر لهم قربة ، فما تاب هنا في هذه الآية عليهم ليتوبوا كما قال في موضع آخر : (ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ