لِيَتُوبُوا) وإنما هو رجوع بالعفو والتجاوز ، فجاء هنا بحكم آخر ما فيه ذكر توبتهم ، بل فيه توبة الله تعالى عليهم فإنه تعالى تمم الآية بقوله : «إن الله غفور رحيم». فمن هذه الآية نعلم أن الإيمان أصل ، والعمل فرع لهذا الأصل بلا شك ، ولهذا لا يخلص للمؤمن معصية أصلا من غير أن يخالطها طاعة ، فالمخلط هو المؤمن العاصي ، فإن المؤمن إذا عصى في أمر ما ، فهو مؤمن بأن ذلك معصية ، والإيمان واجب فقد أدى واجبا ، فالمؤمن مأجور في عين عصيانه والإيمان أقوى.
(خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (١٠٣)
سمي المال مالا لأنه يميل بالنفوس إليه ، وإنما مالت النفوس إليه لما جعل الله عنده من قضاء الحاجات به ، وجبل الإنسان على الحاجة ، لأنه فقير بالذات ، فمال إليه بالطبع الذي لا ينفك عنه ، فقال تعالى لنبيه صلىاللهعليهوسلم : (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ) أي : المال الذي في أموالهم مما ليس لهم ، بل هو (صَدَقَةً) مني على من ذكرتهم في كتابي ، فأمر الله تعالى رسوله ونوابه أن يأخذوا من هذه الأموال مقدارا معلوما ، سماه زكاة ، يعود خيرها علينا ، وسميت صدقة أي ما يشتد عليهم في نفوسهم إعطاؤها ، لأن البخل والشح صفة النفوس التي جبلت عليه. ولما كان معنى الزكاة التطهير ، أي طهارة الأموال ، فإنها طهرت أربابها ، قال تعالى : (تُطَهِّرُهُمْ) من صفة البخل (وَتُزَكِّيهِمْ بِها) أي تكثر الخير لهم بها (وَصَلِّ عَلَيْهِمْ) أمر الحق نبيه بالصلاة علينا جزاء ، كما أمرنا به تعالى من الصلاة على النبي في قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) ثم قال : (إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ) فما أعجب القرآن لمن تدبر آياته وتذكر! فصلاته صلىاللهعليهوسلم سكن للمتصدق يسكن إليها. ـ إشارة ـ (ما لَكَ) نفي من باب الإشارة واسم من باب الدلالة ، وأصليته من اسم المالية ـ تحقيق ـ راجع سورة الأحزاب آية ٥٦.
(أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقاتِ