وَأَنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) (١٠٤)
العبد إذا رجع إلى الحق بالتوبة ، رجع الحق إليه بالقبول ، (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ) وهو رجوعه على عباده بالقبول ، فإن الله لا يقبل المعاصي ويقبل التوبة والطاعات ، وهذا من رحمته بعباده ، فإنه لو قبل المعاصي لكانت عنده في حضرة المشاهدة ، كما هي الطاعات ، فلا يشهد الحق من عباده إلا ما قبله ، ولا يقبل إلا الطاعات ، فلا يرى من عباده إلا ما هو حسن محبوب عنده ، ويعرض عن السيئات فلا يقبلها (وَيَأْخُذُ الصَّدَقاتِ) يأخذ الحق الصدقات بحكم الوكالة ، فيربيها ويثمرها ، فهو وكيل في حق قوم تبرعا من نفسه رحمة بهم ، وهو قوله صلىاللهعليهوسلم : إن الصدقة تقع بيد الرحمن قبل أن تقع بيد السائل ـ الحديث ، لذلك قال تعالى : (وَأَنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ) بقبوله التوبة والطاعة (الرَّحِيمُ) بعدم مؤاخذته على الذنب.
(وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (١٠٥)
لكل راء عين تليق به ، فيدرك من المرئي بحسب ما تعطيه قوة ذلك العين ، فثم عين تعطي الإحاطة بالمرئي ، وليس ذلك إلا الله وأما ما يراه الرسول والمؤمنون فليس إلا رؤية خاصة ، ليس فيها إحاطة. فيراه الرسول بحسب ما أرسل به ، وكذلك المؤمن يراه بقدر ما علم من هذا الرسول ، فليست عين المؤمن تبلغ في الرتبة إدراك عين الرسول ، فإن المجتهد مخطيء ومصيب ، والرسول حق كله ، فإن له التشريع ، وهو العين المطلوبة لطالب الدلالة ، فإذا قامت صورة العمل نشأة كاملة ـ كان العمل ما كان من المكلف ـ يراها الله من حيث أراها الرسول والمؤمنين ، ومن حيث لا يرونها ، ويرى المؤمنون ذلك العمل من حيث يرونها ، لا من حيث يراها الرسول ، ولكل موطن في القيامة يحكم به الله فيه (وَسَتُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) العالم عالمان ما ثم ثالث : عالم يدركه الحس ، وهو المعبر عنه