من حيث أنه حيوان ، لا من جهة مالكه ، فإن مالكه قد علم منه هذا المعار إليه (١) أنه يريد إتلافه ، فذلك محبوب له فلم يبق له عليه شفقة إلا الشفقة الطبيعية ، فالنفوس التي اشتراها الحق في هذه الآية إنما هي النفوس الحيوانية ، اشتراها من النفوس الناطقة المؤمنة المكلفة بالإيمان ، فنفوس المؤمنين الناطقة هي البائعة المالكة لهذه النفوس الحيوانية التي اشتراها الحق منها ، لأنها التي يحل بها القتل ، وليست هذه النفوس بمحل للإيمان ، وإنما الموصوف بالإيمان النفوس الناطقة ، ومنها اشترى الحق نفوس الأجسام فقال : (اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) وهي النفوس الناطقة الموصوفة بالإيمان (أَنْفُسَهُمْ) التي هي مراكبهم الحسية ، وهي الخارجة للقتال بهم والجهاد ، وهي التي تدعي الملك ، فبقي المؤمن لا نفس له كسائر الحيوان ، فلم يبق من يدعي ملكا ، فصار الملك لله الواحد القهار ، وزال الاشتراك ، فالمؤمن لا نفس له ، فلا دعوى له في الملك ، فكل مؤمن ادعى ملكا حقيقة فليس بمؤمن ، فإن المؤمن باع نفسه ، فما بقي له من يدعي ، لأن نفسه كانت صاحبة الدعوى ، لكونها على صورة من له الدعوى بالملك حقيقة ، وهو الله تعالى ، فاحفظ نفسك يا أخي من دعوى تسلب عنك الإيمان. فالمؤمن لا نفس له ، فليس له في الشفقة عليها إلا الشفقة الذاتية التي في النفس الناطقة على كل حيوان. (وَأَمْوالَهُمْ) فأفلسهم لأنه حال بينهم وبينها ، فلم يبق لهم ما يصلون به إلى المنعة ، ببقاء الحياة لبقاء الغذاء الحاصل بالمال. (بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ) وهو الثمن فإن المؤمن ممدوح في القرآن بالتجارة وهو قوله تعالى : (هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ) والبيع فيما ملك بيعه ، وهو قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ) وجعلها الثمن للحديث الوارد في الخصمين من الظالم والمظلوم ، إذا أصلح الله بين خلقه يوم القيامة ، فيأمر الله المظلوم أن يرفع رأسه ، فينظر إلى عليين فيرى ما يبهره حسنه ، فيقول : يا رب لأي نبي هذا لأي شهيد هذا؟ فيقول الله تعالى لمن أعطاني الثمن ، قال : ومن يملك ثمن هذا؟ قال : أنت بعفوك عن أخيك هذا فيقول : يا رب قد عفوت عنه ، فيقول : خذ بيد أخيك فادخل الجنة. ولما أورد رسول الله صلىاللهعليهوسلم هذا الحديث تلا (فَاتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ) فإن الله يصلح بين عباده يوم القيامة. (يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ) وجه آخر في هذه المبايعة : وقع البيع بين الله وبين المؤمن
__________________
(١) في الأصل المعير والصواب المعار إليه.