فهؤلاء هم الطبقة العليا في الأمر بالمعروف ، وكل آمر بمعروف فهو تحت حيطة هذا الأمر (وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ) وأعلاهم طبقة الناهون عن المنكر بالمعروف ، والمنكر الشريك الذي أثبته المشركون بجعلهم ، فلم يقبله التوحيد ، وأنكره فصار منكرا من القول وزورا. (وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللهِ) اعلم أن قوله تعالى : (الْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللهِ) إطلاق في حقهم وهم على طبقتين : فمنهم من عرف الحدود الذاتية فوقف عندها ، وذلك العالم الحكيم المشاهد صاحب العين السليمة ، ومنهم من عرف الحدود الرسمية ، ولم يعلم الحدود الذاتية ، وهم أرباب الإيمان ، ومنهم من عرف الحدود الرسمية والذاتية وهم الأنبياء والرسل ومن دعا إلى الله على بصيرة من أتباع الرسول صلىاللهعليهوسلم ، فهؤلاء هم الأولى بأن يطلق عليهم الحافظون لحدود الله الذاتية والرسمية معا. (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) الصابرين على ذلك ، وهم الذين حبسوا نفوسهم عند الحدود ولم يتعدوها مطلقا.
(ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ) (١١٣)
لأنه قبل التبيين يعذر في استغفاره ، وليس بأصحاب الجحيم إلا أعداء الله تعالى الذين هم أهل الجحيم.
(وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلاَّ عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ) (١١٤)
إن الرسول إذا تبين له أن شخصا ما عدو لله تبرأ منه ، قال تعالى في حق إبراهيم عليهالسلام وأبيه آزر ، بعد ما وعظه وأظهر الشفقة عليه لكونه كان عنده في حد الإمكان أن يرجع إلى الله وتوحيده من شركه ، فلما بين الله له في وحيه ، وكشف له عن أمر أبيه ، وتبين إبراهيم عليهالسلام أن أباه آزر عدو لله ، تبرأ منه مع كونه أباه ، فأثنى الله عليه فقال :