(وَما كانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (١١٥)
الذي على الله إنما هو البيان خاصة ، قال تعالى : (وَما كانَ اللهُ لِيُضِلَّ) يضل أي ليحير (قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ) في أخذ الميثاق والفطرة التي ولدوا عليها ، (حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ) فإذا أبان لهم حيرهم ، فمنهم من حيره بالواسطة فشك في النبوة ، وحار فيها ، وما تحقق أن هذا نبي ، فتوقف في الأخذ عنه ، ومنهم من حيره في أصل النبوة هل لها وجود أم لا؟ ومنهم من حيره فيما جاء به هذا النبي ، مما تحيله الأدلة النظرية ، فأورثهم البيان الإلهي هذه الحيرة ، وذلك لعدم الإيمان ، فلم يكن لهم نور إيمان يكشف لهم عن حقيقة ما قاله الله ، وأبان عنه ، فلما أبان الحق ما أبانه لعباده فمنهم من رزقه العلم فعمل به ، ومنهم من حرمه الله العلم فضل وحار وشك وارتاب وتوقف ، فلا ضلال إلا بعد هداية ، فالهدى في هذه الآية يحتمل أن يكون الهدى التبياني ، وهو ابتلاء ، لا الهدى التوفيقي ، ومن الهدى التبياني قوله صلىاللهعليهوسلم : ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل ، وقوله تعالى : (وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلى عِلْمٍ) والهدى بمعنى البيان ، قد يعطي السعادة ، وقد لا يعطيها ، إلا أنه يعطي العلم ولا بد ، أما الهدى التوفيقي فهو الذي يعطي السعادة لمن قام به ، وهو قوله تعالى : (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ ، وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) وقوله تعالى : (لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ) وهذا هو هدى الأنبياء. فالهدى التوفيقي هدى الأنبياء عليهمالسلام (فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ) وهو الذي يعطي سعادة العباد وما توفيقي إلا بالله.
(إِنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (١١٦) لَقَدْ تابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ