فالرجعة الأولى من الله على العبد هي التي يعطيه الحق بها الإنابة إليه ، فإذا رجع العبد إليه بالتوبة رجع الحق إليه غير الرجوع الأول ، وهو الرجوع بالقبول ، ثم قال : (أَنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ) وهو لفظ المبالغة إذ كانت له التوبة الأولى من قوله : (ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ) والثانية من قوله : (لِيَتُوبُوا) فالتوبتان له من كل عبد ، فهو التواب لا هم ، ووصف الله تعالى نفسه بأنه التواب ، فما تاب من تاب ولكن الله تاب (الرَّحِيمُ) الذي يرجع على عبده في كل مخالفة بالرحمة له ، فيرزقه الندم عليها ، وقد قال صلىاللهعليهوسلم : [الندم توبة] فيتوب العبد بتوبة الله عليه ، فلو لا توبة الله عليهم ما تابوا ، والتوبة الرجوع ، فالله أكثر رجوعا إلى العباد من العباد إليه ، لأن برجوعه تعالى إلى العباد يبقي عليهم الوجود بالحفظ الإلهي ، وهو التواب بالرجوع عليهم بقبول التوبة ، الرحيم بعدم المؤاخذة على الذنب ـ راجع البقرة آية ٣٧ ـ نصيحة ـ عليك بالالتجاء إلى من تعرف أنه لا يقاوم فإنه يحميك.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (١١٩) ما كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللهِ وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَطَؤُنَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ إِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) (١٢٠)
(وَلا نَصَبٌ) ـ موعظة ـ نصب الأبدان من همم النفوس في المعقول والمحسوس.
(وَلا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً وَلا يَقْطَعُونَ وادِياً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ أَحْسَنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٢١) وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ