لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) (١٢٢)
الجهاد من فروض الكفاية إذا قام به من يقع به الغناء سقط عن الباقي ، لقوله تعالى : (وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً) وإن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ما خرج قط إلى غزو عدو إلا وترك بعض الناس في المدينة (فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ) الفقه في الدين هو استخراج الحكم في مسئلة من نص ورد في الكتاب أو السنة ، يدخل الحكم في هذه المسئلة في مجمل ذلك الكلام ، ولا يحتاج إلى قياس في ذلك ، فإن الدين قد كمل ولا تجوز الزيادة فيه كما لم يجز النقص ، فالفقه على الحقيقة هو الفهم الذي أعطاه الله عبده في القرآن ، كما قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : ما هو إلا فهم يؤتيه الله من شاء من عباده في هذا القرآن ، لذلك قال تعالى : (وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) فأقامهم مقام الرسول صلىاللهعليهوسلم في التفقه في الدين والإنذار ، وهو الذي يدعو إلى الله على بصيرة كما يدعو رسول الله صلىاللهعليهوسلم على بصيرة ، لا على غلبة ظن ، كما يحكم عالم الرسوم ، فشتان بين من هو فيما يفتي به ويقوله على بصيرة منه في دعائه إلى الله وعلى بينة من ربه ، وبين من يفتي في دين الله بغلبة الظن.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) (١٢٣)
هذا هو الجهاد الذي فرضه الله تعالى المعين ويعصي الإنسان بتركه لا بد من ذلك ، ويؤخذ من هذه الآية إشارة إلى الجهاد الأكبر وهو جهاد الهوى ، فإنه أكبر الأعداء إليك الذين يلونك ، فإنه بين جنبيك ، ولا أكفر من النفوس بنعم الله ، فإنها في كل نفس تكفر نعمة الله عليها من بعد ما جاءتها ، ولا يلي الإنسان أقرب إليه من نفسه ، وجهاد النفس أعظم من جهاد العدو ، لذلك قال عليهالسلام : [إن جهاد النفس هو الجهاد الأكبر] لأن الإنسان لا يخرج إلى جهاد العدو إلا بعد جهاد نفسه ، وجهاد العدو قد يقع من العبد للرياء والسمعة والحمية ، وجهاد النفس أمر باطن لا يطلع عليه إلا الله ، فحظ كل موفق من هذه