الآية أن ينظر إلى نفسه الأمارة بالسوء ، التي تحمله على كل محظور ومكروه وتعدل به عن كل واجب ومندوب ، للمخالفة التي جبلها الله عليها ، وهي أقرب الكفار والأعداء إليه ، فإذا جاهدها وقتلها أو أسرها حينئذ يصح له أن ينظر في الأغيار على حسب ما يقتضيه مقامه ، فإنك إذا جاهدت نفسك هذا الجهاد خلص لك الجهاد الآخر في الأعداء ، الذي إن قتلت فيه كنت من الشهداء الأحياء ، فالهوى هو أقرب الكفار إليك ، فاشتغل به وإلا اشتغل بك فيهدم دينك.
(وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) (١٢٤)
(وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ) وهي واحدة ولكن الأمزجة مختلفة (فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) بورود العافية عليهم ، والإيمان عين واحدة وزيادته أو كثرته إنما هي في ظهوره في المواطن المختلفة ، مثل الصلاة والزكاة والصوم والحج إلخ. وهو في نفسه لا يتكثر ، ولهذا قال تعالى فيمن قال : (نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ) أولئك هم الكافرون حقا فنفى عنهم الإيمان كله.
(وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَماتُوا وَهُمْ كافِرُونَ) (١٢٥)
(وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) وهو الشبه المضلة القادحة في الأدلة وفي الإيمان ، تحول بين العقل من العاقل وبين صحة الإيمان الذي له تعلق بوجود الحق وتعلق بتوحيد الحق ، فالذي حال مرضه العقلي بينه وبين صحة الإيمان بوجود الحق فقد حال بينه وبين العلم لضروري ، فإن العلم بوجود الصانع عند ظهور الصنعة للناظر ضروري ، وإن لم يعلم حقيقة الصانع ولا ماهيته ولا ما يجب أن يكون عليه ويجوز ويستحيل إلا بعد نظر فكري وإخبار إلهي نبوي ، فهذا مرض لا طب فيه ، ومن فقد العلم الضروري كان بمنزلة المريض الذي قد استفرغ المرض نفسه بحيث لا يعلم أنه مريض ولا ما هو فيه لأنه لا عقل له ، وأما