نفسه بما وصفنا ، فلو لا صحة القبول منا ، ما أخبر بذلك عنا ، وخبره صدق ، وقوله حق ، فالمشاركة في الصفات ، دليل على تباين الذوات ، فالحق تعالى يرى صورته في مرآة الإنسان الكامل ، ومعنى يرى صورة الحق فيه إطلاق جميع الأسماء الإلهية عليه ، كما جاء في الخبر فبهم تنصرون والله الناصر ، وبهم ترزقون والله الرازق ، وبهم ترحمون والله الراحم ، وقد ورد في القرآن فيمن علمنا كماله واعتقدنا ذلك فيه أنه بالمؤمنين رؤف رحيم ، فالتخلق بالأسماء ، يقول به جميع العلماء.
(فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) (١٢٩)
(فَإِنْ تَوَلَّوْا) عما دعوتموهم إليه (فَقُلْ حَسْبِيَ اللهُ) أي في الله الكفاية يكفيني أمرهم (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) وهذا هو التوحيد الحادي عشر ، وهو توحيد الاستكفاء ، وهو من توحيد الهوية لما قال تعالى : (وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى) فأحالنا علينا بأمره فبادرنا لامتثال أمره ، فمنا من قال التعاون على البر والتقوى أن يرد كل واحد صاحبه إلى ربه في ذلك ، ويستكفي به فيما كلفه ، وهو قوله : (واستعينوا بالله) خطاب تحقيق «عليه توكلت» التوكل اعتماد القلب على الله تعالى مع عدم الاضطراب عند فقد الأسباب الموضوعة في العالم ، التي من شأن النفوس أن تركن إليها ، فإن اضطرب فليس بمتوكل ، وهو من صفات المؤمنين (وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) فإذا كان رب العرش والعرش محيط بعالم الأجسام وأنت من حيث جسميتك أقل الأجسام فاستكف بالله ، الذي هو رب مثل هذا العرش ، ومن كان الله حسبه انقلب بنعمة من الله وفضل لم يمسسه سوء ، وجاء في ذلك بما يرضي الله ، والله ذو فضل عظيم على من جعله حسبه.