(إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ اللهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ) (٤)
(إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ) ما سمي الخلق خلقا إلا بما يخلق منه ، فالخلق جديد ، وفيه حقيقة اختلاق ، لأنك تنظر إليه من وجه فتقول : هو حق ، وتنظر إليه من وجه فتقول : هو خلق ، وهو في نفسه لا حق ولا غير حق ، فإطلاق الحق عليه والخلق كأنه اختلاق ، فغلب عليه هذا الحكم فسمي خلقا ، وانفرد الحق باسم الحق (ثُمَّ يُعِيدُهُ) الإعادة تكرار الأمثال أو العين في الوجود ، وذلك جائز وليس بواقع ، أعني تكرار العين ، للاتساع الإلهي ، ولكن الإنسان في لبس من خلق جديد ، فهي أمثال يعسر الفصل فيها لقوة الشبه ، فالإعادة إنما هي في الحكم ، مثل السلطان يولي واليا ثم يعزله ، ثم يوليه بعد عزله ، فالإعادة في الولاية ، والولاية نسبة لا عين وجودي ، ألا ترى الإعادة يوم القيامة إنما هي في التدبير ، فإن النبي صلىاللهعليهوسلم قد ميّز بين نشأة الدنيا والنشأة الآخرة ، والروح المدبّر لنشأة الدنيا عاد إلى تدبير نشأة الآخرة ، فهي إعادة حكم ونسبة لا إعادة عين فقدت ثم وجدت ، فالأعيان التي هي الجواهر ما فقدت من الوجود حتى تعاد إليه ، بل لم تزل موجودة العين ، ولا إعادة لموجود في الوجود فإنه موجود ، وإنما هي هيآت وامتزاجات نسبية ، فلا إعادة في الكون ، وإنما الإعادة في نشء الآخرة إعادة حكم إلهي في حق أمر مخصوص ، بمنزلة من خرج من دار ثم عاد إليها ، فالدار الدار والخارج الداخل ، وما ثمّ إلا انتقال في أحوال لا ظهور أعيان ، مع صحة إطلاقها أن الخارج من الدار عاد إلى داره.
(هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ ما خَلَقَ اللهُ ذلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) (٥)