(هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً) تضيء كل ما أشرقت عليه ، فهي ضياء لوجود روح الحياة في العالم كله ، وجعلها الله ضياء يكشف به كل ما تنبسط عليه لمن كان له بصر ، فإن الكشف إنما يكون بضياء النور لا بالنور ، فإن النور ما له سوى تنفير الظلمة ، وبالضياء يقع الكشف ، فالضوء لا يكون معه حجاب عما يكشفه ، فجعل الله تعالى الشمس ضياء ، فهي ضياء بالجعل نور بالذات ، كما جعل (الْقَمَرَ نُوراً) فهو نور بالجعل وهو بالذات محو (وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ) «والقمر» ولم يسمه بدرا ولا هلالا ، فإنه في هاتين الحالتين ما له سوى منزلة واحدة ، بل اثنتين ، فلا يصدق قوله (مَنازِلَ) إلا في القمر ، فللقمر درج التداني والتدلي ، وله الأخذ بالزيادة والنقص ، فهو يتغير في أحواله نورا (وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ) مقادير التقسيم التي في فلك البروج عيّنها الحق تعالى لنا ، إذ لم يميزه البصر بهذه المنازل المعينة في الفلك المكوكب ، واسمه فلك المنازل ، وهو من تقدير العزيز العليم ، وجعلها ثماني وعشرين منزلة ، مقسمة على اثني عشر برجا ، فكل برج منزلتان وثلث ، والقمر أحد السبعة ، الجواري السبع التي في السموات السبع ، والتي تقطع في فلك البروج بين سريع وبطيء ، ويوم كل كوكب منها بقدر قطعه فلك البروج ، وأسرعها قطعا القمر ، فإن يومه ثمانية وعشرون يوما من أيام الدورة الكبرى التي تقدر بها هذه الأيام ، وهي الأيام المعه دة عند الناس ، فأقصر أيام الكواكب يوم القمر ، ومقداره ثمانية وعشرون يوما مما تعدون ، واعلم أن أصغر الأيام هي التي نعدها حركة الفلك المحيط ، الذي يظهر في يومه الليل والنهار ، فأقصر يوم عند العرب وهو هذا ، لأكبر فلك ، وذلك لحكمه على ما في جوفه من الأفلاك ، إذ كانت حركة ما دونه في الليل والنهار حركة قسرية له ، قهر بها سائر الأفلاك التي يحيط بها ، ولكل فلك حركة طبيعية تكون له مع الحركة القسرية ، فكل فلك دونه ذو حركتين في وقت واحد ، حركة طبيعية وحركة قسرية ، ولكل حركة طبيعية في كل فلك يوم مخصوص ، يعدّ مقداره بالأيام الحادثة عن الفلك المحيط ، المعبر عنه بقوله تعالى : (مِمَّا تَعُدُّونَ) وكلها تقطع في الفلك المحيط ، فكلما قطعته على الكمال كان يوما لها ، ويدور الدور ، فأصغر الأيام منها هو ثمانية وعشرون يوما مما تعدون ، وهو مقدار قطع حركة القمر في الفلك المحيط ، ونصب الله هذه الكواكب السبعة في السموات ليدرك البصر قطع فلكها في الفلك المحيط لنعلم عدد السنين والحساب ، فلكل كوكب منها يوم