إن الله تعالى يقول : (ما تقرب المتقربون بأحب إلي من أداء ما افترضته عليهم) فبحب الله للعبد يوفقه بهذه المحبة لاتباع رسوله فيما جاء به من الواجبات عليه ، وهي الفرائض ، والترغيب في أن يوجبوا على أنفسهم صورة ما أوجبه عليهم ويسمى نافلة ، فيحبهم الله إذ يقول صلىاللهعليهوسلم عن الله تعالى : (ولا يزال العبد يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت له سمعا وبصرا ويدا ومؤيدا) وقد أعلمنا الرسول صلىاللهعليهوسلم أننا إذا اتبعناه فيما جاء به أحبنا الله ، فقال تعالى : (إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ) فالحب الثاني هو عين الحب الأول ، فالأول حب عناية والثاني حب جزاء وكرامة بوافد محبوب بالحب الأول ، فصار حب العبد ربه محفوظا بين حبين إلهيين ، كلما أراد أو همّ أن يخرج عن هذا الوصف بالسلو وجد نفسه محصورا بين حبين إلهيين ، فلم يجد منفذا ، فيبقى محفوظ العين بين حب عناية ما فيها من فطور ، وبين حب كرامة ما فيها استدراج ـ مسئلة ـ إن الله أحب أولياءه ، والمحب لا يؤلم محبوبه ، وليس أحد بأشد ألما في الدنيا ولا بلاء من أولياء الله ، رسلهم وأنبيائهم وأتباعهم المحفوظين المعانين على اتباعهم ، فمن أي حقيقة استحقوا هذا البلاء مع كونهم محبين؟ فنقول : إن الله قال : (يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ) فمن كونهم محبين ابتلاهم ، ومن كونهم محبوبين اجتباهم واصطفاهم ، في هذه الدار وفي القيامة ، وأما في الجنة فليس يعاملهم الحق إلا من كونهم محبوبين خاصة ، والبلاء لا يكون أبدا إلا مع الدعوى ، فمن لم يدع أمرا ما لا يبتلى بإقامة الدليل على صدق دعواه ، فلو لا الدعوى ما وقع البلاء. ولما أحب الله من أحب من عباده رزقهم محبته من حيث لا يعلمون ، فوجدوا في نفوسهم حبا لله ، فادعوا أنهم من محبي الله فابتلاهم الله من كونهم محبين ، وأنعم عليهم من كونهم محبوبين ، فإنعامه دليل على محبته فيهم ولله الحجة البالغة ، وابتلاؤه إياهم لما ادعوه من حبهم إياه ، فلهذا ابتلى الله أحبابه من المخلوقين ، والحق تعالى محب محبوب فمن حيث هو محب ينفعل لتأثير الكون ، ومن حيث هو محبوب يبتلي. والعبد أيضا محب لله محبوب لله ، فمن حيث هو محب لله يبتلى لأجل الدعوى فيفتضح صاحب الدعوى الكاذبة ، ويظهر صاحب الدعوى الصادقة ، ومن حيث أنه محبوب يتحكم على محبه ، فيدعوه فيستجيب له ، ويرضيه فيرضى ويسخطه فيعفو ويصفح مع نفوذ قدرته وقوة سلطانه ، إلا أن سلطان الحب أقوى (أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ). وقد شرع لنا الود في الله والبغض في الله ، وجعل ذلك من العمل المختص