فَأَنَّى تُصْرَفُونَ) (٣٢)
(فَذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ) فهذا توحيد أشار به الحق ، يدل عليه إما العقل السليم أو الشرع المعصوم ، فإذا لم يكن حقا (فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ) وليس إلا الخلق ، والضلال حيرة ، فالحق الوجود والضلال الحيرة ، وبالخلق ظهر حكم الضلال ، ففي الخلق تاه الخلق ، (فَأَنَّى تُصْرَفُونَ) أي كيف تصرفون عن معرفة هذه الحقائق ، ومن صرف عن الحق أين يذهب؟ فما عدا هذين القرينين العقل والشرع ، يقول بخلاف ذلك ويصرف الألوهية إلى ما يراه.
(كَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) (٣٣)
فمن حقت عليه كلمة الله بأمر فإنه يعمل في غير معمل ، ويطمع في غير مطمع.
(قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) (٣٤)
البدء افتتاح وجود الممكنات على التتالي والتتابع ، لكون الذات الموجدة له اقتضت ذلك من غير تقييد بزمان ، إذ الزمان من جملة الممكنات الجسمانية ، فكان في مقابلة وجود الحق أعيان ثابتة موصوفة بالعدم أزلا ، وهو الكون الذي لا شيء مع الله فيه ، إلا أن وجوده أفاض على هذه الأعيان على حسب ما اقتضته استعداداتها ، فتكونت لأعيانها لا له من غير بينية تعقل أو تتوهّم ، وسبب عزة ذلك ، الجهل بذات الحق ، وكان البدء عن نسبة أمر فيه رائحة جبر ، إذ الخطاب لا يقع إلا على عين ثابتة معدومة ، عاقلة سميعة عالمة بما تسمع ، بسمع ما هو سمع وجود ولا عقل وجود ولا علم وجود ، فالبدء حالة مستصحبة قائمة لا تنقطع ، فإن معطي الوجود لا يقيده ترتيب الممكنات ، فالنسبة منه واحدة ، فالبدء ما زال ولا يزال ، فكل شيء من الممكنات له عين الأولية في البدء ، ثم إذا نسبت الممكنات بعضها إلى بعض ، تعيّن التقدم والتأخر ، لا بالنسبة إليه سبحانه.