(وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كانُوا لا يُبْصِرُونَ (٤٣) إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) (٤٤)
(إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً) كلمة تحقيق ، فإن الناس لا يملكون شيئا حتى يكون من يأخذ منهم بغير وجه حق غاصبا ، فكل ما يقال فيه إنه ملك لهم فهو ملك الله ، ومن ذلك أعمالهم (وَلكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) فكنى سبحانه عن نفسه «بأنفسهم» لما وقع الظلم في العالم ، فلو كان ما عند الناس ملكا لهم ما حجر الله عليهم التصرف فيه ، ولا حدّ لهم فيه حدودا متنوعة ، فهذا يدلك على أن أفعال المكلّف ما هي له إنما هي لله ، فالظلم على الحقيقة في الناس دعواهم فيما ليس لهم أنه لهم ، فما عاقبهم الله إلا على دعواهم الكاذبة.
(وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ ساعَةً مِنَ النَّهارِ يَتَعارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللهِ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ (٤٥) وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللهُ شَهِيدٌ عَلى ما يَفْعَلُونَ (٤٦) وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) (٤٧)
قال تعالى : (وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ) وقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم في الكلاب : إنها أمة من الأمم ، فما من شيء في الوجود إلا وهو أمة من الأمم ، فالطفل الرضيع وجميع الحيوان لهم تكليف إلهي برسول منهم في ذواتهم ، لا يشعر به ، وإن الصغير إذا كبر وكلف لا يشعر ولا يتذكر تكليفه في حال صغره ، لما يقوم به من الآلام وبالحيوان ، فإنه تعالى لا يعذب ابتداء ، ولكن يعذب جزاء ، فإن الرحمة لا تقتضي في العذاب إلا الجزاء للتطهير ، ولو لا التطهير ما وقع العذاب ، فعمّت الرسالة الإلهية جميع الأمم صغيرهم وكبيرهم ، فما من أمة إلا وهي تحت خطاب إلهي على لسان نذير بعث إليها منها ، ليعلمها ما هو الأمر عليه الذي