سمي الحق محييا لكون حياة الأشياء من فيض اسم الحي كنور الشمس من الشمس المنبسط على الأماكن ، ولم تغب الأشياء عنه لا في حال ثبوتها ولا في حال وجودها ، فالحياة لها في الحالتين مستصحبة ، فهو يحيي ويميت ، وليس الموت بإزالة الحياة منه في نفس الأمر ، ولكن الموت عزل الوالي وتولية وال ، لأنه لا يمكن أن يبقى العالم بلا وال يحفظ عليه مصالحه لئلا يفسد ، فالموت عبارة عن انتقال وعزل ، ألا ترى إلى الميت يسئل ويجيب إيمانا وحقيقة ، وأنت تحكم عليه في هذه الحال عينا أنه ميت ، وما أزال عنه اسم الموت السؤال ، فلو لا أنه حي في حال موته ما سئل ، فليس الموت بضد للحياة ، فبالحياة يسبح كل شيء ، والميت مسبح حيث أنه شيء ، فالموت عبارة عن الانتقال من منزل الدنيا إلى منزل الآخرة ، ما هو عبارة عن إزالة الحياة منه في نفس الأمر ، وإنما الله أخذ بأبصارنا فلا ندرك حياته ، فالميت ينتقل وحياته باقية عليه لا تزول ، وإنما يزول الوالي وهو الروح عن هذا الملك الذي وكّله الله بتدبيره أيام ولايته عليه ، والميت عندنا يعلم من نفسه أنه حي ، وإنما تحكم عليه بأنه ليس بحي لوقوفك مع بصرك ومع حكمك في حاله قبل اتصافه بالموت ، من حركة ونطق وتصرف وقد أصبح متصرفا فيه ، فالموت انتقال خاص على وجه مخصوص.
(يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) (٥٧) الشفاء زوال العلة ووجود الراحة بانتقالها.
(قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) (٥٨)
(قُلْ بِفَضْلِ اللهِ) وفضل الله لا انقطاع له لأنه خارج عن الجزاء الوفاق (وَبِرَحْمَتِهِ) ورحمة الله لا تخص محلا من محل ، ولا دارا من دار ، بل وسعت كل شيء ، فدار الرحمة هي دار الوجود (فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا) أعني بفضل الله ورحمته ، لأن المآل رحمة مطلقة عامة ، فإنه خير مما يجمعون فيفرحون به ، ولا يفرح عاقل إلا بثابت لا بزائل ، فأمر الله عباده أن يفرحوا بفضله وبرحمته لا بما يجمعه من المال ، فإنه يتركه بالموت في الدنيا ولا يقدمه ، فأمرك بالفرح بالفضل ، والفضل ما زاد ، فاحمد الله حيث جعلك محلا لفضله ورحمته ، فافرح