لأمره إياك بالفرح تجن ثمرة أداء الواجب في الفرح ـ تحقيق ـ ومن تحقق هذه الآية تراه أبدا حزين القلب ما دام في الدنيا إلى الموت ، وإن فتح له ما يقع له به الفرح فإنه يرى ما عليه من الشكر لله فيما فتح له فيه ، فيعظم حزنه أشد مما كان فيه قبل الفتح ، ومن كان في مقام يريد أن يوفيه حقه لا يمكن أن يفرح إلا بعد أن لا يبقى عليه من حقه شيء ، ولا يزال هذا الحق المعيّن على المكلف المبشر بفضل الله ورحمته عليه إلى آخر نفس يكون عليه في الدنيا ، فإنه لا يفرح إلا عند خروجه ، فإنه لا يسقط عنه التكليف إلا بعد رحلته من دار التكليف ، وهي الدار الدنيا.
(قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَراماً وَحَلالاً قُلْ آللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ (٥٩) وَما ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ (٦٠) وَما تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَما تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ) (٦١)
(وَما تَكُونُ فِي شَأْنٍ) والشأن ليس لي ، فإن الشأن الظاهر في وجودي إنما هو لله ، وهو قوله : (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) (وَما تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ) فالله شهيد على ما يخلق منا وفينا (وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ) فإنه يعلمها ويراها (إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ) فمن تحقق بهذه الآية كان رقيبا على نفسه وعلى آثار ربه فيما يورده على قلبه ، وعلى موازنة الحق المشروع في عباد الله ، فالعالم الناصح نفسه لا ينسى الله في شؤونه ، ويكون مراقبا له تعالى عند شهوده ، فإن العالم بإنزال الشرائع يعرف ما خاطب الحق منه