في نظره إليه ، فإن الأحوال تطلب الأحكام المنزلة في الدنيا ، لهذا نزلت الشرائع على الأحوال والمخاطبون أصحابها.
(أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (٦٢)
(لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) مطلقا ، فإن الله تعالى لم يقل في الآخرة ، فالولي من كان على بينة من ربه في حاله ، فعرف مآله بإخبار الحق إياه على الوجه الذي يقع به التصديق عنده ، وبشارته حق وقوله صدق وحكمه ، فالقطع حاصل ، فالمراد بالولي من حصلت له البشرى من الله كما قال تعالى ، وأي خوف وحزن يبقى مع البشرى بالخبر الذي لا يدخله تأويل ، فهذا هو الذي أريد بالولي في هذه الآية ، واعلم أن النبوة اختصاص من الله يختص بها من يشاء من عباده ، وقد أغلق ذلك الباب وختم برسول الله محمد صلىاللهعليهوسلم ، والولاية مكتسبة إلى يوم القيامة ، فمن تعمل في تحصيلها حصلت له ، والتعمل في تحصيلها اختصاص من الله ، يختص برحمته من يشاء ، فالأولياء هم ولاة الحق على عباده ، والخواص منهم الأكابر يقال لهم رسل وأنبياء ، ومن نزل عنهم بقي عليه اسم الولاية ، فالولاية الفلك المحيط الجامع للكل ، وأما صفتهم فقد قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم وقد قيل له : يا رسول الله من أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون؟ فقال : الذين نظروا إلى باطن الدنيا حين نظر الناس إلى ظاهرها ، واهتموا بآجل الدنيا حين اهتم الناس بعاجلها ، فأماتوا منها ما خشوا أن يميتهم ، وتركوا منها ما علموا أن سيتركهم ، فما عرضهم من نائلها عارض إلا رفضوه ، ولا خادعهم من رفعتها خادع إلا وضعوه ، خلقت الدنيا عندهم فما يجددونها ، وخربت بيوتهم فما يعمرونها ، وماتت في صدورهم فما يحيونها ، بل يهدمونها فيبنون بها آخرتهم ، ويبيعونها فيشترون بها ما بقي لهم ، ونظروا إلى أهلها صرعى قد حلّت بهم المثلات ، فما يرون أمانا دون ما يرجون ، ولا خوفا دون ما يحذرون ـ رقيقة ـ اعلم أنه على قدر ما يخرج به العبد من عبوديته ينقصه من تقريبه من سيده ، لأنه يزاحمه في أسمائه ، وأقل المزاحمة الاسمية ، والولي من أسمائه سبحانه ، فالذي ينبغي للعبد أن لا يزيد على هذا الاسم غيره ، فإن أطلق الله ألسنة الخلق عليه بأنه ولي لله ورأى أن الله قد أطلق عليه اسما أطلقه تعالى على نفسه فلا يسمعه ممن يسميه به إلا على أنه بمعنى المفعول لا معنى الفاعل ، حتى يشم فيه