ولو بنفس واحد ، فيحصل المقصود ، وقد علمنا في الدنيا بإعلام الله أن الرسل والأنبياء ومن عينته الرسل بالبشرى أنه سعيد ، فبشارة الحق لا يدخلها نسخ ، فيؤمن بوجودها المكر إذا كانت نصا ، وقد بشّر النبي صلىاللهعليهوسلم جماعة بالجنة وعاشوا بعد ذلك زمانا طويلا ، فهذه صورة للبشرى بخلاف بشرى المحتضر ، ومثل قوله تعالى : (ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) فكان تعريف الحق إيّانا بما قاله رسوله بشرى من الله لنا في الحياة الدنيا ، وللعارفين مقام الآخرة في الدنيا فلهم الكشف والمشاهدة ، وهما أمران يعطيهما عين اليقين ، وهو أتم مدارك العلم ، فالعلم الحاصل عن العين له أعظم اللذات في المعلومات المستلذة ، فهم في الآخرة حكما وفي الدنيا حسا ، وهم في الآخرة مكانة وفي الدنيا مكانا (وَفِي الْآخِرَةِ) من القبر إلى الجنة ، وما بينهما منازل الآخرة ، فهو نعيم متصل ، ولما كانت البشرى من كلمات الله قال تعالى : (لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللهِ) هو قوله تعالى : (ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ) أي قولنا واحد لا يقبل التبديل.
(وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (٦٥)
فعزته تعالى مانعة من الوصول إلى علم الأمر على ما هو عليه في نفسه.
(أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَما يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ شُرَكاءَ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ (٦٦) هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ) (٦٧)
(إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ) وهم أهل الفهم عن الله ، وقد حصرت الآيات في السمع والبصر ، فإما شهود وإما خبر ، وعلامة السامعين المحققين في سماعهم ، انقيادهم إلى كل عمل مقرب إلى الله تعالى من جهة سماعه ، أعني من التكليفات المتوجهة على الأذن من أمر ونهي ، كسماعه العلم والذكر والثناء على الحق تعالى والموعظة الحسنة والقول