وَاللهُ أَعْلَمُ بِما كانُوا يَكْتُمُونَ (٦١) وَتَرى كَثِيراً مِنْهُمْ يُسارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٦٢) لَوْ لا يَنْهاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ ما كانُوا يَصْنَعُونَ (٦٣) وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِما قالُوا بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً وَأَلْقَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً وَاللهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) (٦٤)
(وَقالَتِ الْيَهُودُ : يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ) كنّت بذلك عن البخل فأكذبهم الله بقوله : (غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِما قالُوا) أي أبعدوا عن صفة الكرم الإلهي ، فإن أقوالهم أعمالهم فغلت أيديهم فوقع البخل الذي نسبوه إلى الله بهم (بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ) أي يداه مباركتان فيهما الرحمة فلم يقرن بهما شيئا من العذاب. وهذه عندنا من أرجى آية تقرأ علينا ، فعم الكرم يديه فلا تيأسوا من روح الله فالحكم للمشيئة ، وليست مشيئته غير ذاته فأسماؤه عينه ، وأحكامها حكمه ، فاليدان مبسوطتان ، واليدان مقبوضتان ، قبضت ما أعطاها الخلق وانبسطت بما يجود به الحق ، فمنه بدأ الجود وإليه يعود. ـ توحيد ـ اعلم أن الله تعالى بدليل العقل والشرع أحدي الكثرة بأسمائه الحسنى أو صفاته أو نسبه ، وهو بالشرع خاصة أحدي الكثرة في ذاته بما أخبر به عن نفسه (بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ) «ولما خلقت بيدي» «وتجري بأعيننا» «والقلب بين اصبعين من أصابع الرحمن» (وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ) «وكلتا يدي ربي يمين مباركة» وهذه كلها وأمثالها أخبار عن الذات أخبر الله بها عن نفسه والأدلة العقلية تحيل ذلك ، فإن كان السامع صاحب النظر العقلي مؤمنا ، تكلّف التأويل في ذلك لوقوفه مع عقله ، وإن كان السامع منور الباطن بالإيمان آمن بذلك