به خفاء ، وإن كان في نسبة المناسبة للطلب بالإتيان بسور مثله جفاء ، فما أرسل رسول إلا بلسان قومه فتأمل ، فللمنزل الأين ، وللمنزلة العين ، فالأمر والشان ، في المكانة والمكان ، والنازل من معناه في منزلته ، وفي منزله من حيث صورته.
(فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللهِ وَأَنْ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (١٤)
(فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا) يعني المدعوين (لَكُمْ) يعني الداعين (فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللهِ) فالضمير في فاعلموا يعود على الداعين ، وهم عالمون بأنه انما أنزل بعلم الله ، ولو أراد المدعين لقال : فليعلموا بالياء كما قال : يستجيبوا بياء الغيبة ، ثم قال : (وَأَنْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) أي واعلموا أنه لا إله إلا هو كما علمتم ، أنه أنّما أنزل بعلم الله ، ثم قال (فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) وقد كانوا مسلمين ، وهذا كله خطاب للداعين إن كانت هل على بابها ، وإن كانت مثل ما هي في قوله (هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ) اعتمادا على قرينة الحال فأخرجت عن الاستفهام ، وإلا فما هذا خطاب الداعين ، إلا أن يكون مثل قولهم : إياك أعني فاسمعي يا جارة. وحكمة ذلك مقابلة الإعراض بالإعراض ، لأنهم أعرضوا عن قبول دعوة الداعين ، فأعرض الله عنهم ، بالخطاب ، والمراد به هم فأسمعهم في غيرهم ، وأما فائدة العلم في ذلك فهي أن تقول لما علم الله أن قوما لا يؤمنون ارتفعت الفائدة في خطابهم ، وكان خطابهم عبثا ، فأخبرهم الله تعالى أن نزول الخطاب بالدعوة لمن ليس يقبله في علم الله ، أنما نزل بعلم الله أي سبق في علم الله إنزاله فلا بد من إنزاله ، فكما هو واحد في ألوهيته ، هو واحد في أمره ، فما أنزل إلا بعلم الله سواء نفذ أو لم ينفذ.
(مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ) (١٥)
اعلم أن الحياة الدنيا ليست غير نعيمها ، فمن فاته من نعيمها شيء فما وفيت له ، وقوله تعالى : (نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها) فوصف الله نفسه بأنّه يوفي كل أحد عمله أي أجرة عمله في الزمان الذي يريدها فيه ، وما ذكر الله إلا توفية العمل ، فهو نعيم العمل (وَهُمْ فِيها لا