على علم الله فيه مع معقول المعنى الوارد المتلفظ به من يد وأصبع وعين وغير ذلك ، ولكن يجهل النسبة إلى أن يكشف الله له عن بصيرته فيدرك المراد من تلك العبارة كشفا. فإن الله ما أرسل رسولا إلا بلسان قومه ، أي بما تواطؤوا عليه من التعبير عن المعاني التي يريد المتكلم أن يوصل مراده فيما يريد منها إلى السامع ، فالمعنى لا يتغير البتة عن دلالة ذلك اللفظ عليه ، وإن جهل كيف ينسب فلا يقدح ذلك في المعقول من معنى تلك العبارة.
(وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنا عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْناهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٦٥) وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ ساءَ ما يَعْمَلُونَ) (٦٦)
(وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا) وهو معالجة الأعمال والاكتساب (التَّوْراةَ) وهم أمة موسى (وَالْإِنْجِيلَ) وهم أمة عيسى (وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ) وهم أهل القرآن وجميع كل من أنزلت عليه صحيفة ، فأقاموا كتاب الله وما أنزل إليهم من ربهم ، فهم المسارعون في الخيرات ، وهم لها سابقون (لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ) يوم القيامة في الحشر يوضع الصراط من الأرض المبدلة علوا على استقامة إلى سطح الفلك المكوكب الذي يرجع في ذلك اليوم ما تحت مقعره جهنم ، فيكون منته الصراط إلى المرج الذي خارج سور الجنة ، وفي ذلك المرج المأدبة ، وهي در مكة بيضاء نقية منها يأكل أهل المأدبة ، وهو قوله تعالى في المؤمنين من بني إسرائيل إذا أقاموا التوراة والإنجيل ، ونحن أمة محمد صلىاللهعليهوسلم نقيم كل ما أنزل إلينا من ربنا بالإيمان به ، ونعمل من ذلك بما أمرنا من العمل به ، وغيرنا من الأمم منهم من آمن كما آمنا ، ومنهم من آمن ببعض وكفر ببعض ، فمن نجا منهم قيل فيه (لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ) وهو ما خرج من فروع أشجار الجنان على السور فظلل على هذا المرج فقطفه السعداء (وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ) هو ما أكلوه من الدرمكة البيضاء التي هم عليها. ـ تفسير من باب الإشارة ـ ـ الوجه الأول ـ يشير الحق تعالى إلى أنهم لو أقاموا الكتاب من رقدته ، فإن التأويل من العلماء أضجعه بعد ما كان قائما ، فجاء من وفقه الله فأقامه من رقدته أي نزهه عن تأويله والتعمل فيه بفكره ، فقام بعبادة ربه وسأله أن يوقفه على مراده