قالُوا يا هُودُ ما جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ وَما نَحْنُ بِتارِكِي آلِهَتِنا عَنْ قَوْلِكَ وَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (٥٣) إِنْ نَقُولُ إِلاَّ اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ قالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ) (٥٤)
قال ذلك هود عليهالسلام لقومه المكذبين به وبرسالته ، فأشهد عليهالسلام قومه مع كونهم مكذبين به على نفسه بالبراءة من الشرك بالله والإقرار بأحديته ، لما علم عليهالسلام أن الله سبحانه سيوقف عباده بين يديه ويسألهم عما هو عالم به ، لإقامة الحجة لهم أو عليهم ، حتى يؤدي كل شاهد شهادته ، فقال عليهالسلام (وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ) فسأل هود عليهالسلام قومه الشهادة مع شركهم لعلمه بأنهم لا بد أن يسألهم الله عنه.
(مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ (٥٥) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ ما مِنْ دَابَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (٥٦)
فأتى بالصراط نكرة لأنه على كل صراط شهيد ، وجاء في فاتحة الكتاب في (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) بالتعريف لأنه صراط مخصوص ، وهو المؤدي إلى السعادة ، ومع هذا فإن هذا القول من الكلام القديم ، والقرآن الحكيم ، جاء به الرؤوف الرحيم ، الخبير بما هناك العليم ، فمع الحق مشى من مشى ، وما تشاؤون إلا أن يشا ، فالسعادة كاملة ، والرحمة شاملة ، فإن أهل الاستقامة في الاستقامة هم أهل السلامة في القيامة ، وأما الماشي في الاستقامة بغير استقامة ، فهو المنحاز عن دار الكرامة ، وكما أنه سبحانه في قبلة المصلي ، فهو تعالى من ورائه محيط فهو السائق والهادي ، فهو سبحانه الذي نواصي الكل بيده الهادي إلى صراط مستقيم ، والذي يسوق المجرمين إلى جهنم وردا ، وإليه يرجع الأمر كله ، وإن كان الصراط المستقيم الذي عليه الرب الكريم يتضمن الخير والشر ، والنفع والضر ، والفاجر والبر ، (ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) وهو البر الرحيم ،