فلا ينفع الاحتجاج بما سبق وإن كان حقا ، فهي حجة لا تنفع قائلها ولا تعصم حاملها لما يؤدي إليه من درس الطريق الأمم ، الذي أجمع على صحته الأمم (ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها) دخل في حكم هذه الآية جميع ما دبّ علوا وسفلا دخول ذلة وعبودية ، لأنها أعطته بحقيقتها وقبولها التمكن من الأخذ بناصيتها إذلالا ، لأنها عبد ، وكل من أخذ بناصيته فإنه ذليل ، والكل عبيد الله تعالى ، فالكل أذلاء بالذات ، وهو العزيز الحكيم ، وإنما جعل يده بناصيتك ابتغاء عافيتك ، فأثبت أمرا هو عليه ، وما سواه ، فانظر من يصل إليه ، وهذا من كرمه وسابقة قدمه ، فما ثمّ إلا مستقيم وعلى منهج قويم ، لأنه بيد الكريم ، وتدل هذه الآية على أنه ما ثمّ إلا من الحق آخذ بناصيته ، ولا يمكن إزالة ناصيته من يد سيده ، ونكّر لفظ دابة فعمّ ، فهو مسلوك به ، سالك بحكم الجبر ، هكذا قال هود عليهالسلام ، فلهذا كان المآل إلى الرحمة وإذا أدركه في الطريق النصب ، فتلك أعراض عرضت له ، فإنه أخبر بأنه تعالى على صراط مستقيم ، فما ثمّ إلا من هو مستقيم على صراط الرب ، فهذه الآية دليل لمن قال بالجبر ، ويحتمل أن يكون قوله عليهالسلام (إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) فيما شرع ، مع كونه تعالى آخذ بنواصي عباده إلى ما أراد وقوعه منهم وعقوبته إياهم مع هذا الجبر ، فاجعل بالك ، وتأدب واسلك سواء السبيل ، فهذه آية بشرى لنا ، فما في العالم إلا مستقيم لأن الآخذ بناصيته هو الماشي به ، وهو على صراط مستقيم ، فكل حركة وسكون في الوجود فهي إلهية ، لأنها بيد حق ، وصادرة عن حق موصوف بأنه على صراط مستقيم بإخبار الصادق ، فإن الرسل لا تقول على الله إلا ما تعلمه منه ، فهم أعلم الخلق بالله ، وليس للكون معذرة أقوى من هذه ، فمن رحمة الرسل بالخلق تنبيه الخلق على مثل هذا ، فإن الله أخبر عن نبيه ورسوله هود عليهالسلام قوله هذا ، وما خطّأ هذا الرسول في هذا القول ، ومعلوم أن تصرف كل دابة قد يتعلق به لسان حمد أو ذم لأمور عرضية في الطريق ، عينتها الأحوال وأحكام الأسماء ، والأصل محفوظ في نفس الأمر ، تشهده الرسل عليهمالسلام والخاصة من عباد الله ، ومع هذا التحقيق فإن قوله (إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) من حيث ما يقود الماشي عليه إلى سعادته ، وعلى هذا الصراط كل دابة عموما ما عدا الإنس والجن ، فإنه ما دخل من الثقلين إلا الصالحون منهم خاصة ، ولو دخل جميع الثقلين لكان جميعهم على طريق مستقيم ـ نصيحة ـ لا تجعل زمامك إلا بيد ربك ، فإن له كما قال يدين كما