الأصل أن الله خلق لنا ما في الأرض جميعا ، ثم حجّر وأبقى ، فما أبقاه سماه بقية الله ، وما حجر سماه حراما ، أي المكلّف ممنوع من التصرف فيه حالا أو زمانا أو مكانا مع التحجير ، فإن الأصل التوقف عن إطلاق الحكم فيه بشيء ، فإذا جاء حكم الله فيه ، كنا بحسب الحكم الإلهي الذي ورد به الشرع إلينا ، وليس مسمى رزق الله في حق المؤمنين إلا بقية الله ، وكل رزق في الكون من بقية الله ، وما بقي إلا أن يفرق بينهما ، وذلك أن جميع ما في العالم من الأموال ، لا يخلو إما أن يكون لها مالك معيّن أو لا يكون لها مالك ، فإن كان لها مالك معيّن ، فهي من بقية الله لهذا الشخص ، وإن لم يكن لها مالك معيّن ، فهي لجميع المسلمين ، فمال زيد بقية الله لزيد ، لما حجّر الله عليه التصرف في مال عمرو بغير إذنه ، ومال عمرو بقية الله لعمرو لما حجر عليه التصرف في مال زيد بغير إذنه ، فبقية الله ، هو ما أحل لك تناوله من الشيء الذي يقوم به أودك ، لتقوم به في طاعة ربك ، وإنما سماه بقية لأنه بالأصالة خلق لك ما في الأرض جميعا ، فكنت مطلق التصرف في ذلك تأخذ ما تريد وتترك ما تريد ، ثم في ثاني حال ، حجّر عليك بعض ما كان أطلق فيه تصرفك ، وأبقى لك من ذلك ما شاء أن يبقيه لك ، فذلك بقية الله (خَيْرٌ لَكُمْ) وإنما جعلها خيرا لك ، لأنه علم من بعض عباده أن نفوسهم تعمى عن هذه البقية بما يعطيهم الأصل ، فيتصرفون بحكم الأصل فقال لهم : البقية التي أبقى الله خير لكم (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) أي مصدقين بأني خلقت لكم ما في الأرض جميعا ، فإن صدقتموني في هذا ، صدقتموني فيما أبقيت لكم من ذلكم ، وإن فصلتم بين الأمرين فآمنتم ببعض وكفرتم ببعض لم تكونوا مؤمنين ، فمن اعتنى به الله تعالى ، أوصل إليه من البقية لا من غيرها ، واعلم أن الرزق على نوعين في الميزان الموضوع في العالم لإقامة العدل وهو الشرع : النوع الأول يسمى حراما ، والنوع الآخر يسمى حلالا ، وهو بقية الله التي جاء نصها في القرآن (بَقِيَّتُ اللهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) فهذه هي التي بقيت للمؤمنين من قوله : (خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) والإيمان لا يقع إلا بالشرع ، وجاء هذا القول في قصة شعيب عليهالسلام صاحب الميزان والمكيال ، فرزق الله عند بعض العلماء جميع ما يقع به التغذي من حلال وحرام ، فإن الله يقول : (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللهِ رِزْقُها) وهو ظاهر لا نص ، وقال : (فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللهِ) (وَاللهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ) وقد نهانا عن التغذي بالحرام ، فلو كان رزق الله