من هنا نعلم أن عطاء الله كله فضل ، لأن التوفيق منه فالحاصل عن العمل بالموازنة ، وإن كان جزاء فهو فضل بالأصالة قال من جلّ ثناؤه وتقدست أسماؤه (وَما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللهِ) فأسنده سبحانه إلى الاسم الجامع الذي هو للتعلق لا للتخلق ، وفي إسناده إليه سر شريف ، فإن التوفيق مفتاح السعادة الأبدية ، والهادي بالعبد إلى سلوك الآثار النبوية ، والقايد له إلى التخلق بالأخلاق الإلهية ، من قام به غنم ومن فقده حرم ، وهو خارج عن كسب العبد ، وإنما هو نور يضعه الله في قلب من اصطنعه لنفسه ، واختصه لحضرته ، به تحصل النجاة ، وبه تنال الدرجات ، ومع أنه سر موهوب ، ونور في قلب العبد موضوع ، فإن إرادة العبد من جهة العلم بخصائصه وحقائقه متعلقة بجود الله سبحانه وتعالى في تحصيله منة ، والاتصاف به ، فقد يحصل للعبد بتلك الإرادة ، فيتخيل أنه كسبي وأن دعاءه الله فيه وإرادته إياه سبب في حصوله ، وما علم أن تلك الإرادة التي حركته لطلب التوفيق من التوفيق ، فإنها من آثاره ولولاه لم يكن ذلك فإن إرادة التوفيق من التوفيق ، ولكن لا يشعر لذلك أكثر الناس ، فإذا تقرر هذا فيكون الإنسان إنما يطلب على الحقيقة كمال التوفيق من الموفق الواهب الحكيم ، ومعنى كمال التوفيق استصحابه للعبد في جميع أحواله من اعتقاداته وخواطره وأسراره ومطالع أنواره ومكاشفاته ومشاهداته ومسامراته وأفعاله كلها ، لا أنه يتجزى ويتبعض فإنه معنى من المعاني القائمة بالنفس ، فنقصه الذي يطلق عليه إنما هو أن يقوم بالعبد في فعل ما من الأفعال ، ويحرمه في فعل آخر وكذلك زيادته استصحابه لجميع أفعال العبد ، وقد بان علة سؤاله في التوفيق من الله سبحانه وتعالى ، وتبين أن التوفيق لم يكن عنده معدوما عند سؤاله لله سبحانه فيه ، والتوفيق تفعيل من الموافقة ، وهو معنى يقوم بالنفس عند طروّ فعل من أفعاله الصادرة عنه على اختلافها ، يمنعه من المخالفة للحدّ المشروع له في ذلك الفعل لا غير ، فكل معنى كان حكمه هذا يسمى التوفيق وقد يقوم بالعبد التوفيق في فعل ما ، والمخالفة في فعل آخر في زمن واحد كالمصلي في الدار المغصوبة ، أو كمن يتصدق وهو يغتاب ، أو يضرب أحدا في حال واحد وأشباهه ، فلهذا ما سأل العبد من مولاه إلا كمال التوفيق ، يريد استصحابه له في جميع أحواله كلها حتى لا تكون منه مخالفة أصلا ، فإذا كمل التوفيق للعبد على ما ذكرناه فهو المعبر عنه بالعصمة والحفظ الإلهي ، حفظ الله علينا الأوقات ، وعصمنا من نتائج الغفلات ، إنه جواد بالخيرات ، فالتوفيق هو العناية التي للعبد عند الله