به ، وله القبول والردّ بحسب ما سبق به الكتاب ، وقضى به الخطاب ، فمنهم شقي وسعيد ، كما كان من القرناء مقرّب وطريد ، فهو لمن أجاب وعلى الله تبيان الخطأ من الصواب ، والحق وصف نفسه بالرضى والغضب فقال : (يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ) بالغضب ، والغضب زائل (وَسَعِيدٌ) بالرضى ، والرضى دائم.
(فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ) (١٠٦)
جعلت دار جهنم دار كل شقي ، وسمي هؤلاء أشقياء لأنهم أقيموا فيما يشق عليهم ، وهو المخالفة (لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ) فرط التولع علة في وجود الزفرة ، ولهذا جاء في وصف جهنم ، أن لها زفيرا وشهيقا لفرط تولّعها بمن يحصل فيها من الكفار ، لأنها عاشقة في الانتقام من أعادي محبوبها ، وهو الحق سبحانه وتعالى.
(خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلاَّ ما شاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ) (١٠٧)
(خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ) يريد المدة التي كانت الأرض عليها من يوم خلقها الله إلى يوم التبديل ، وكانت العرب التي نزل القرآن بلسانها ، تطلق هذه اللفظة وتريد بها التأبيد ، وهي منقطعة بالخبر الإلهي ، وتعريف النبى صلىاللهعليهوسلم (إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ) بما يرزقون في النار من اللذة والنعيم (إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ) فيقع الاستثناء في قوله (إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ) من زوال صورتهما ، إذ كانت السماء سماء والأرض أرضا ، فإنا نعلم أن جوهر السماء ، هو جوهر الدخان وتبدلت عليه الصور ، فالجوهر الذي قبل صورة الدخان هو الذي قبل صورة السماء ، كما قبل جوهر الطين والحجر صورة البيت ، فإذا انهدم البيت ويبس الطين ، ذهبت صورة البيت والطين ، وبقي عين الجوهر وكذلك العالم كله بالجوهر واحد ، وبالصور يختلف ، فاعلم ذلك ، فيكون الاستثناء في حق أهل النار لمدة عذابهم ، واعلم أنه من سبق رحمته تعالى غضبه أن النار ينزل فيها أهلها بالعدل من غير زيادة ، والجنة ينزل فيها أهلها بالفضل فيرون ما لا تقتضيه أعمالهم من النعيم ، ولا يرى أهل النار من العذاب إلا قدر أعمالهم من غير زيادة ولا رجحان إلى أن يفعل الله بهم ما يريد بعد ذلك ، ولذلك