(وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلاَّ ما شاءَ رَبُّكَ عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ) (١٠٨)
(وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها) جعلت الجنة دار السعداء ، فهي دار كل سعيد ، وسمّي هؤلاء سعداء لأنهم أقيموا فيما يسهل عليهم ، وهو المساعدة والموافقة (ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ) من حيث جوهر هما لا من حيث صورتهما (إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ) والاستثناء هنا في حق أهل الجنة على معنى إلا أن يشاء ربك ، وقد شاء أن لا يخرجهم ، فهم لا يخرجون فإن الله ما شاء ذلك بقوله (عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ) أي غير منقطع لأن اللذة بالجديد الطارىء أعظم في النفس من ملازمة الصحبة. واعلم أن الجنة جنتان محسوسة ومعنوية ، والجنات ثلاث جنات : جنة اختصاص إلهي وهي التي يدخلها الأطفال الذين لم يبلغوا حد العمل ، وحدهم من أول ما يولد إلى أن يستهل صارخا إلى انقضاء ستة أعوام ؛ ويعطي الله من شاء من عباده من جنات الاختصاص ما شاء ، ومن أهلها المجانين الذي ما عقلوا ، ومن أهلها أهل التوحيد العلمي ، ومن أهلها أهل الفترات ومن لم تصل إليهم دعوة رسول ، والجنة الثانية جنة ميراث ينالها كل من دخل الجنة ممن ذكرنا ومن المؤمنين ، وهي الأماكن التي كانت معينة لأهل النار لو دخلوها ، والجنة الثالثة جنة الأعمال وهي التي ينزل الناس فيها بأعمالهم ، فمن كان أفضل من غيره في وجود التفاضل ، كان له في الجنة أكثر ، وسواء كان الفاضل دون المفضول أو لم يكن ، غير أنه فضله في هذا المقام بهذه الحالة ، فما من عمل من الأعمال إلا وله جنة ويقع التفاضل فيها بين أصحابها بحسب ما تقتضي أحوالهم ، فما من فريضة ولا نافلة ولا فعل خير ولا ترك محرم ومكروه إلا وله جنة مخصوصة ونعيم خاص يناله من دخلها ، والتفاضل على مراتب : فمنها بالسن ولكن في الطاعة والإسلام ، فيفضل كبير السن على الصغير السن إذا كانا على مرتبة واحدة من العمل بالسن ، فإنه أقدم منه فيه ، ويفضل أيضا بالزمان فإن العمل في رمضان وفي يوم الجمعة وفي ليلة القدر وفي عشر ذي الحجة وفي عاشوراء أعظم من سائر الأزمان وكل زمان عينه الشارع ؛ وتقع المفاضلة بالمكان كالمصلي في المسجد الحرام أفضل من صلاة المصلي في مسجد المدينة ،