(وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ) أعطى الحق تعالى الصلاة الليل والنهار حتى يعم الزمان بركتها (إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ) يقول رسول الله صلىاللهعليهوسلم : [أتبع السيئة الحسنة تمحها] فكلما ذكرت خطيئة أتيتها فتب عنها عقيب ذكرك إياها ، واستغفر الله منها واذكر الله عندها بحسب ما كانت تلك المعصية ، وإذا عصيت الله بموضع ، فلا تبرح من ذلك الموضع ، حتى تعمل فيه طاعة وتقيم فيه عبادة ، فكما يشهد عليك إن استشهد يشهد لك وحينئذ تنتزح عنه ، وكذلك ثوبك إن عصيت الله فيه فاعبد الله فيه قبل أن تفارقه (ذلِكَ ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ).
(وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) (١١٥)
ـ إشارة ـ لتعلم أن الصلاة انبعثت من الحضرة الصمدانية المقدسة ، فاغتنمها فهي كالخطرة المختلسة ، نظرت إليها الحضرة النورية فوهبتها أسرارها ، وأفاضت عليها الحضرة القيومية أنوارها ، ولما كانت هذه الصلوات تختص بالمناجاة الربانية وترد عليها إذا خاطبت بالمناجاة الإلهية ، وتعمّ جميع المقامات المخصوصة بروحانية أهل السموات ، وجيئت بجميع الحركات المستقيمة في الإنسانيات عند القراءات ، والأفقيات في الحيوانات عند الركوع للأذكار المعظمات ، والمنكوسة في النباتات عند السجود لابتغاء القربات ، وكانت الصلوات خمسا لمطابقتها أصول تركيب الإنس (الماء ، التراب ، النار ، الهواء ، الروح) لأن الخمسة وحدها من بين سائر الأعداد تحفظ نفسها وغيرها ، فاعرف قدرها واشكر خيرها ، واعلم أنه تعالى قسم هذه الصلوات قسمين ، وجعل لها حكمين ، لتحصيل علمين ، في عالمين راجعين إلى حاكمين ، فقسم واحد خصه بالعقل ، وهو الحضور والتدبر لما يتلوه بعد عقد النية ، وقسم آخر خصه بالحس وهو التلاوة وجميع حركات الصلاة ، لما كانت لا توجد إلا في هذه البنية ، وأما الحكمان ، فحكم العقل التوجه إلى القربة ، وحكم الحس التوجه إلى الكعبة ، وإنما قيدنا بجهة واحدة عن الجهات ، لإزالة الحيرة والالتفات ، وإشارة إلى فضل الجمع على الشتات ، وأما العلمان : فالعلم الواحد يختص بالعقل وهو علم التنزلات والعلم الآخر يختص بالحس وهو علم التجليات ، وأما العالمان ، فالعالم الواحد عالم الغيب ، والعالم الآخر عالم الشهادة المقدس عن الريب ، وأما الحاكمان ، فالحاكم الواحد الاسم الظاهر ،