وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ) (١١٨)
اعلم أن المشيئة الإلهية ، لما كان لها أثر في الفعل لهذا نفى تعلقها بما لا يقبل الانفعال من حيث مرجحه لا من حيث نفسه ، فإن قلت فما فائدة إخبار الله تعالى بأنه لو شاء لفعل كذا مع كون كذا يستحيل وقوعه عقلا لكون المشيئة الإلهية لم تتعلق به؟ قلنا : إن ذلك إعلام لنا أن ذلك الأمر الذي نفى تعلق المشيئة الإلهية ، بكونه ، ليس يستحيل كونه بالنظر إلى نفسه لإمكانه ، فإنه يجب له أن يكون في نفسه قابلا لأحد الأمرين ، فيفتقر إلى المرجح بخلاف المحال لنفسه ، فإنه يستحيل نفي تعلق المشيئة بكونه ، فإنه لا يكون لنفسه ، فكانت فائدة إخبار الله تعالى بقوله (لَوْ شاءَ) فيما لا يقع إعلاما أنه بالنظر إلى ذاته ممكن الوقوع ، ليفرق لنا سبحانه بين ما هو في الإمكان وبين ما ليس بممكن ، فنفى تعلق المشيئة والإرادة به قال تعالى : (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ) لاختلاف معتقداتهم ، فهم يخالفون المرحومين مخالفيهم.
(إِلاَّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) (١١٩)
ـ الوجه الأول ـ (إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ) وهم أهل الجمع الذين عرفوه في الاختلاف في التجلي فلم ينكروه ـ الوجه الثاني ـ (إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ) فما زالوا من الخلاف لأنهم قد خالفوا المختلفين (وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ) أي من أجل الخلاف خلقهم لتظهر أسماؤه في الوجود ، فما تعدى كل خلق ما خلق له ، فالكل طائع وإن كان فيهم من ليس بمطيع مع كونه طائعا ، فما ثم إلا اختلاف ، ولا يكون إلا هكذا ، فإذا سمعت أن ثمّ أهل جمع فليس إلا من جمع مع الحق على ما في العالم من الخلاف ، لأن الأسماء الإلهية مختلفة وما ظهر العالم إلا بصورتها ، فأصل اختلاف المعتقدات في العالم الكثرة في العين الواحدة ، فإن الله من حيث نفسه له أحدية الأحد ، ومن حيث أسماؤه له أحدية الكثرة ، فهذا هو السبب الموجب