لتجليه تعالى في الصور المختلفة ، وتحوله فيها لاختلاف المعتقدات في العالم إلى هذه الكثرة ، فكان الحق سبحانه أول مسئلة خلاف ظهر في العالم ، لأن كل موجود في العالم أول ما ينظر في سبب وجوده ، لأنه يعلم في نفسه أنه لم يكن ثم كان بحدوثه لنفسه ، واختلفت فطرهم في ذلك ، فاختلفوا في السبب الموجب لظهورهم ما هو؟ فلذلك كان الحق أول مسئلة خلاف في العالم ، ولما كان أصل الخلاف في العالم في المعتقدات ، وكان السبب أيضا وجود كل شيء من العالم على مزاج لا يكون للشيء الآخر ، لهذا كان مآل الجميع إلى الرحمة لأنه خلقهم وأظهرهم في العماء وهو نفس الرحمن.
(وَكُلاًّ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ وَجاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ) (١٢٠)
خصّ صلىاللهعليهوسلم بعلم إحياء الأموات معنى وحسا ، فحصل العلم بالحياة المعنوية وهي حياة العلوم والحياة الحسية ، وهو ما أتى في قصة إبراهيم عليهالسلام تعليما وإعلاما لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وهو قوله تعالى : (وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ) وذلك تسكين ورفق من الله لما يجده رسوله صلىاللهعليهوسلم من ردّ أمره ، فيجد لذلك عزاء في نفسه ، لما يرى من منازعة أمته إياه فيما جاء به عن الله ، وليري نبيه صلىاللهعليهوسلم ما قاست الأنبياء من أممهم فيعزي نفسه بذلك وتثبيتا لفؤاده صلىاللهعليهوسلم ، إن وقع منا في أمر الله ما وقع من هؤلاء (وَجاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُّ) (وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرى) لنا نحن (لِلْمُؤْمِنِينَ) لنشكر الله على ما أولانا من نعمه ، حيث آمنا واستسلمنا ولم نكلف نبينا أن يسأل ربه شيئا مثل ما كلّفت الأمم رسلها ، فنشكره سبحانه على هذه النعمة إذ لو شاء لألقى في قلوبنا ، ما ألقاه في قلوب الأمم قبلنا. واعلم أن جميع هذا القصص ، إنما هو قناطر وجسور موضوعة نعبر عليها إلى ذواتنا وأحوالنا المختصة بنا ، فإن فيها منفعتنا ، إذ كان الله نصبها معبرا ، فما أبلغ قوله تعالى (وَجاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرى) لما فيك وما عندك بما نسيته ، فيكون هذا الذي قصصته عليك يذكرك بما فيك وما نبهتك عليه.