(إِذْ قالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ (٤) قالَ يا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً إِنَّ الشَّيْطانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ) (٥)
وذلك لما علم يعقوب عليهالسلام من علم أبنائه بتأويل ما مثّل الحق ليوسف عليهالسلام في رؤياه ، إذ ما كان ما رآه ومثل له إلا عين إخوته وأبويه ، فأنشأ الخيال صورة الإخوة كواكب ، وصورة الأبوين شمسا وقمرا ، وكلهم لحم ودم وعروق وأعصاب ، فانظر هذه النقلة من عالم السفل إلى عالم الأفلاك ، ومن ظلمة هذا الهيكل إلى نور الكوكب ، فقد لطف الكثيف ، ثم عمد إلى مرتبة التقدم وعلو المنزلة والمعاني المجردة فكساها صورة السجود المحسوس فكثف لطيفها ، والرؤيا واحدة ، ولو لا قوة الخيال وجمعيته ما جرى ما جرى ثم برأ يعقوب عليهالسلام أبناءه عن ذلك الكيد وألحقه بالشيطان ، وليس إلا عين الكيد ، فقال : (إِنَّ الشَّيْطانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ) أي ظاهر العداوة ـ الرؤيا ـ اعلم أيدك الله أن للإنسان حالتين حالة تسمى النوم وحالة تسمى اليقظة ، وفي كلتا الحالتين جعل الله له إدراكا يدرك به الأشياء ، تسمى تلك الإدراكات في اليقظة حسا ، وتسمى في النوم حسا مشتركا ، فكل شيء تبصره في اليقظة يسمى رؤية ، وكل ما تبصره في النوم يسمى رؤيا مقصورا ، وجميع ما يدركه الإنسان في النوم هو مما ضبطه الخيال في حال اليقظة من الحواس ، وهو على نوعين ، إما ما أدرك صورته في الحس ، وإما ما أدرك أجزاء صورته التي أدركها في النوم بالحس لا بد من ذلك ، فإن نقصه شيء من إدراك الحواس في أصل خلقه ، فلم يدرك في اليقظة ذلك الأمر فقد المعنى الحسي الذي يدركه به في أصل خلقته ، فلا يدركه في النوم أبدا ، فالأصل الحسّ ، والإدراك به في اليقظة والخيال تبع في ذلك ، وقد يتقوى الأمر على بعض الناس فيدركون في اليقظة ما كانوا يدركونه في النوم ، وذلك نادر وهو للنبي والولي ، واعلم أن مبدأ الوحي الرؤيا الصادقة ، وهي لا تكون إلا في حال النوم ، قالت عائشة في الحديث الصحيح [أول ما بدىء به رسول الله صلىاللهعليهوسلم من الوحي الرؤيا الصادقة ، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح] وسبب ذلك صدقه صلىاللهعليهوسلم ، فإنه