(وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها) ولم يعيّن الله في الآية فيما ذا ، فإنه قد يتبادر أنه في اللسان يدل على أحدية المعنى ، ولكن إذا نظرنا إلى قول يوسف للملك على لسان رسوله أن يسأل عن النسوة وشأن الأمر ، فما ذكرت المرأة إلا أنها راودته عن نفسه ، وما ذكرت أنه راودها ، فزال ما كان يتوهم من ذلك فإن قلت : لا زال الاشتراك في اللسان ولا بد منه ، ففي ما ذا يقع الاشتراك؟ قلنا : إنها همت به لتقهره على ما تريد منه ، وهمّ هو بها ليقهرها في الدفع عن ذلك ، فالاشتراك وقع في طلب القهر منه ومنها ، فلهذا قال تعالى : (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ) يعني في عين ما همّ بها ، وليس إلا القهر فيما يريد كل واحد من صاحبه ، دليل ذلك قولها (الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ) وما جاء في السورة قط أنه راودها عن نفسها ، فأراه الله البرهان عند إرادته القهر في دفعها عنه فيما تريد منه (لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ) فكان البرهان الذي رآه أن يدفع عن نفسه بالقول اللين ، فإن القول اللين قد يأتي في مواطن بما لا يأتي به القهر ، كما قال تعالى لموسى وهارون (فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً) فكان البرهان لا تعنف عليها ولا تسبها ، فإنها امرأة موصوفة بالضعف على كل حال ، (كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ) والهم بالسوء من السوء وهو مصروف عنه أعني السوء ، فلم يكن يهم بسوء (إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ) بفتح اللام ، إذا ولد المولود ونشأ محفوظا قبل التكليف ولم يرزأ في عهده الذي أخذ الله من بني آدم من ظهورهم وأشهدهم على أنفسهم ، وهو الفطرة التي يولد عليها كل مولود ، فبقي عهده على أصله خالصا ، وهو الدين الخالص ، لا المخلص من غير شوب خالطه ، فهو صاحب العهد الخالص فلا يشقى.
(وَاسْتَبَقَا الْبابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيا سَيِّدَها لَدَى الْبابِ قالَتْ ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلاَّ أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٢٥) قالَ هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكاذِبِينَ (٢٦) وَإِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ) (٢٧)