إلى ما لا يتناهى التضعيف فيه ، والواحد يضعفه أبدا ، فبقوة الواحد ظهر ما ظهر من حكم العدد ، والحكم لله الواحد القهار ، ولو لا أنه سمي بالمتقابلين ما تسمى بالقهار ، لأنه محال أن يقاومه مخلوق أصلا ، فإذا ما هو قهار إلا من حيث أنه تسمى بالمتقابلين ، فلا يقاومه غيره ، فهو المعز المذل ، فيقع بين الاسمين حكم القهر والمقهور بظهور أحد الحكمين في المحل ، فلذلك هو الواحد من حيث أنه يسمى ، القهار من حيث أنه يسمى بالمتقابلين ، ولا بد من نفوذ حكم أحد الاسمين ، فالنافذ الحكم هو القاهر والقهار ، من حيث أن أسماء التقابل له كثيرة ، فهو القهار في مقابلة المنازعين.
(ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاَّ أَسْماءً سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٤٠) يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُما فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ) (٤١)
كان الرجلان قد كذبا فيما صوراه فكان مما حدّثا به أنفسهما ، فتخيلاه من غير رؤيا ، فلما قصاه على يوسف حصل في خيال يوسف عليهالسلام صورة من ذلك لم يكن يوسف حدث بذلك نفسه ، فصارت حقا في حق يوسف وكأنه هو الرائي الذي رأى تلك الرؤيا لذلك الرجل ، فلما عبر لهما رؤياهما قالا له : أردنا اختبارك وما رأينا شيئا ، فقال يوسف : (قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ) فخرج الأمر في الحسّ كما عبّر.
(وَقالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ ناجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ) (٤٢) راجع الهامش.
__________________
(ـ) قال سيدي أحمد بن إدريس في كتابه العقد النفيس (وَقالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ ناجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ) الظان هو الرجل لا يوسف ، لأنه لا يجوز الظن على يوسف عليهالسلام ، لأنه أوحى الحق سبحانه وتعالى بتأويل الرؤيا ، والظن لا يغني من الحق شيئا ، وإياكم والظن فإنه أكذب الحديث ، فكيف يظن يوسف فيما أوحى إليه ربه سبحانه وتعالى؟!.