(٤٧) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ سَبْعٌ شِدادٌ يَأْكُلْنَ ما قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّا تُحْصِنُونَ) (٤٨)
لما كان يوسف عليهالسلام من أئمة علم التعبير بصور التمثيل والخيال ، علم أن صور البقر هي السنوات ، وأن سمنها يعني الخصب ، وأن عجافها هو جدبها ، وذلك كله من تجسد المعاني.
(ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عامٌ فِيهِ يُغاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ (٤٩) وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جاءَهُ الرَّسُولُ قالَ ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ فَسْئَلْهُ ما بالُ النِّسْوَةِ اللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ) (٥٠)
لما دعا الملك يوسف عليهالسلام إلى الخروج من السجن فلم يخرج ، وقال لرسول الملك (ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ) يعني العزيز الذي حبسه (فَسْئَلْهُ ما بالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ) ليثبت عنده براءته فلا تصح له المنة عليه في إخراجه من السجن ، بل الله يمن عليكم ، إذ لو بقي احتمال لقدح في عدالته ، وهو رسول من الله ، فلا بد من عدالته أن تثبت في قلوبهم ، وقال صلىاللهعليهوسلم في معرض الثناء على يوسف عليهالسلام وتعظيما لحقه [لو كنت أنا بدل أو محل يوسف لأجبت الداعي] وهذه إشارة من رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى فتوة يوسف عليهالسلام ، فإنه قد اجتمع في يوسف حالان ، حال السجن وحال كونه مفترى عليه ، وهو رسول ، والرسول يطلب أن يقرر في نفس المرسل إليه ما يقبل به دعاء ربه فيما يدعوه به إليه ، والذي نسب إليه معلوم عند كل أحد أنه لا يقع من مثل من جاء بدعوته إليهم ، فلا بد أن يطلب البراءة في ذلك عندهم ليؤمنوا بما جاء به من عند ربه ، فلم يحضر بنفسه ذلك المجلس حتى لا تدخل الشبهة في نفوس الحاضرين بحضوره ، وفرق كبير بين من يحصر في مثل هذا الموطن وبين من لا يحضره ، فإن صحة البراءة في غيبته أدل على براءته من حضوره ، فمن فتوة يوسف عليهالسلام إقامته في السجن بعد أن دعاه الملك إليه ، وما علم قدر ذلك إلا رسول الله صلىاللهعليهوسلم حيث قال عن نفسه [لأجبت الداعي] ثناء على يوسف ، فإنه اختار الإقامة في السجن ولم يخرج حتى يرجع إليه الرسول بالجواب.