الآلات لم يتعلق بها ذم ، والذي أجرأ النفوس على ارتكاب المحارم والدخول في المآثم هو كونها ليست على بصيرة من المؤاخذة ، فإن الله أدخلها في حكم المشيئة (إِلَّا ما رَحِمَ رَبِّي) إلا من عصم الله ، بخوف أو رجاء أو حياء ، أو عصمة في علم الله به خارجة عن هذه الثلاثة ، ولا خامس لهذه الأربعة المانعة من وقوع المخالفة والتعرض للعقوبة. واعلم أن النفس أشد الأعداء شكيمة وأقواهم عزيمة ، فجهادها هو الجهاد الأكبر ، فمن ثبت قدمه في هذا الزحف ، وتحقق بمعنى ذلك الحرف انتهض بأعضائه في الملكوت مليكا ، وكان له الملك جليسا ، غير أن هذه النفس العدوة الكافرة الأمارة بالسوء لها على الإنسان قوة كبيرة وسلطان عظيم ، بسيفين عظيمين ماضيين ، تقطع بهما رقاب صناديد الرجال وعظمائهم ، وهما شهوتا البطن والفرج ، اللتان قد تعبدتا جميع الخلائق وأسرتهم ، ومن عظمهما وكبير فعلهما حتى أفرد الإمام حجة الإسلام أبو حامد الغزالي رضي الله عنه كتابا سمّاه (كسر الشهوتين) في إحياء علوم الدين له ، وكذلك اعتنى بهما كبار العلماء رضي الله عنهم ، والذي يتوجه عليك في هذا الباب أن تبدأ بالحسام الواحد الذي هو البطن ، ثم يليه الفرج.
ـ استدراك وموعظة ـ لا ينبغي لواعظ أن يخرج في وعظه عن الكتاب والسنة ، ولا يدخل في هذه الطوام ، فينقل عن اليهود والنصارى والمفسرين الذين ينقلون في كتب تفاسيرهم ما لا يليق بجناب الله ولا بمنزلة رسل الله عليهمالسلام ، فإن لله ملائكة في الأرض سياحين فيها يتبعون مجالس الذكر ، فإذا وجدوا مجلس ذكر نادى بعضهم بعضا هلموا إلى بغيتكم ، وهم الملائكة الذين خلقهم الله من أنفاس بني آدم ، فينبغي للمذكر أن يراقب الله ويستحي منه ، ويكون عالما بما يورده ، وما ينبغي لجلال الله ويجتنب الطامات في وعظه ، فإن الملائكة يتأذون إذا سمعوا في الحق وفي المصطفين من عباده ما لا يليق ، وهم عالمون بالقصص ، وقد أخبر صلىاللهعليهوسلم أن العبد إذا كذب الكذبة تباعد منه الملك ثلاثين ميلا من نتن ما جاء به ، فتمقته الملائكة ، فإذا علم المذكر أن مثل هؤلاء يحضرون مجلسه فينبغي له أن يتحرى الصدق ، ولا يتعرض لما ذكره المؤرخون عن اليهود من زلات من أثنى الله عليهم واجتباهم ، ويجعل ذلك تفسيرا لكتاب الله ، ويقول : قال المفسرون ، وما ينبغي أن يقدم على تفسير كلام الله بمثل هذه الطوام ، كقصة يوسف وداود وأمثالهم عليهمالسلام ومحمد صلىاللهعليهوسلم ، بتأويلات فاسدة وأسانيد واهية ، عن قوم قالوا في الله ما ذكر الله عنهم ، فإذا أورد