العقاب ليرفع عقوبته عن بعض الطوائف ، فيخرج من النار من لم يعمل خيرا قط.
(وَلَمَّا فَتَحُوا مَتاعَهُمْ وَجَدُوا بِضاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قالُوا يا أَبانا ما نَبْغِي هذِهِ بِضاعَتُنا رُدَّتْ إِلَيْنا وَنَمِيرُ أَهْلَنا وَنَحْفَظُ أَخانا وَنَزْدادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ (٦٥) قالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِنَ اللهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلاَّ أَنْ يُحاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قالَ اللهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ (٦٦) وَقالَ يا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَما أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ) (٦٧)
اعلم أن الوكالة لا تصح إلا في موكل فيه ، وذلك الموكل فيه أمر يكون للموكل ليس لغيره ، فيقيم فيه وكيلا ويتصرف فيما للموكل أن يتصرف فيه مطلقا ، فمن نظر أنّ الأشياء ما عدا الإنسان خلقت من أجل الإنسان كان كل شيء له فيه مصلحة يطلبها بذاته ملكا له ، ولما جهل مصالح نفسه ، ومصالحه ما فيها سعادته ، خاف من سوء التصرف في ذلك ، فقال : إذ وقد خلق الله الأشياء من أجلي فما خلق إلا ما يصلح لي ، وأنا جاهل بالمصلحة التي في استعمالها نجاتي وسعادتي ، فلنوكله في أموري فهو أعلم بما يصلح لي ، فكما أنه خلقها هو أولى بالتصرف فيها ، هذا يقتضيه النظر والعقل ، فكيف وقد ورد به الأمر الإلهي ، فالمؤمن يتخذ الحق وكيلا يسلم إليه أموره ، ويجعل زمامها بيده كما هو في نفس الأمر ، فما زاد شيئا مما هو الأمر عليه في الوجود ، ومدحه الله بذلك ، وما أثر في الملك شيئا ، وهذا غاية الكرم الثناء بالأثر على غير المؤثر ، بل الكل منه وإليه ، فنتخذ الحق وكيلا في المصلحة لنا لا في الأشياء ، فنوكله ليسخر لنا من هذه الأشياء ما يرى فيه المصلحة لنا ، امتنانا منه وامتثالا لأمره ، فنكون في توكلنا عليه عبيدا مأمورين ممتثلين أمره نرجو بذلك خيره ، فوقع التوكل في المصالح لا في عين الأشياء.