قال عليهالسلام [أتدرون ما حق الله على العباد ، أن يعبدوه لا يشركوا به شيئا] فدخل فيه الشرك الخفي والجلي الذي هو قطع الإسلام ، ثم قال [أتدرون ما حقهم على الله إذا فعلوا ذلك ، أن لا يعذبهم] وذلك بأن لا تتوجه إلا إلى الله ، عذبهم بالاعتماد على الأسباب ، لأنها معرضة للفقر ، ففي حال وجودها يعذبهم بتوهم فقدها ، وبعد فقدها بفقدها ، فهم معذبون دائما ، والذين لم يشركوا استراحوا ولم ينالوا بفقدها ألما ـ الوجه الثالث ـ من رحمة الله بالعالم أن أحالهم على الأسباب وما جعل لهم رزقا إلا فيها ليجدوا العذر في إثباتها ، فمن أثبتها جعلا فهو صاحب عبادة ، ومن أثبتها عقلا فهو مشرك ، وإن كان مؤمنا ، فما كل مؤمن موحد عن بصيرة شهودية أعطاه الله إياها ـ لطيفة ـ ليس المراد بالشرك هنا أن تجعل مع الله إلها آخر ، ذلك هو الجهل المحض ، فإنه ما ثمّ إله آخر ، بل هو إله واحد عند المشرك وغير المشرك ، فكل شرك يقتضيه العلم ويطلبه الحق فهو حق ، فليس المقصود إلا العلم ، فما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون ، فكثر العلماء بالله ، وأبقى طائفة من المؤمنين هم في الشرك ، ولا يعلمون أنهم فيه ، فلذلك لم ينسبهم إلى الشرك لعدم علمهم بما هم فيه من الشرك ، وهم لا يشعرون ، فالاسم الله هو الذي وقع عليه الشرك فيما يتضمنه ، فشاركه الاسم الرحمن قال تعالى (قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) فجعل للاسم الله شريكا في المعنى ، وهو الاسم الرحمن ، فالمشركون هم الذين وقعوا على الشركة في الأسماء الإلهية ، لأنها اشتركت في الدلالة على الذات ، وتميزت بأعيانها بما تدل عليه من رحمة ومغفرة وانتقام وحياة وعلم وغير ذلك ، فإن من شأن الشركة اتحاد العين المشترك فيه ، فيكون لكل واحد الحكم فيه على السواء ، وإلا فليس بشريك مطلق ، فإن الشريك الذي أثبته الشقي لم يتوارد مع الله على أمر يقع فيه الاشتراك ، فليس بمشرك على الحقيقة ، بخلاف السعيد فإنه أشرك الاسم الرحمن بالاسم الله ، وبالأسماء كلها في الدلالة على الذات ، فهو أقوى في الشرك من هذا ، فإن الأول شريك دعوى كاذبة ، وهذا أثبت شريكا بدعوى صادقة ـ تحقيق ـ أهل لا إله إلا الله سعدوا سعادة الأبد ولو شقوا يوما ما ، ولا شقاء مع التوحيد ، ولا سعادة مع الشرك المعتقد ، وشرك الغفلة معفو عنه.