(أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غاشِيَةٌ مِنْ عَذابِ اللهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (١٠٧) قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحانَ اللهِ وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (١٠٨)
قال عليهالسلام عن ربه (أَدْعُوا إِلَى اللهِ) ولم يقل أدعو إلى نفسي ، وإلى حرف موضوع للغاية ، فهو النبي الأمي الذي يدعو على بصيرة مع أميته ، وبهذا يزيد العالم الإلهي على غيره ، والأميون الذين يدعون معه إلى الله على بصيرة ، فهم التابعون له في الحكم ، إذ كان رأس الجماعة ، فالبصيرة هي الفتح الإلهي والعلم اللدني ، والمجتهد وصاحب الفكر لا يكون أبدا على بصيرة فيما يحكم به ، فأما المجتهد فقد يحكم اليوم في نازلة شرعية بحكم فإذا كان في غد لاح له أمر آخر أبان له خطأ ما حكم به بالأمس في النازلة ، فرجع عنه وحكم اليوم بما ظهر له ، ويمضي الشرع حكمه في الأول والآخر ، ويحرم عليه الخروج عما أعطاه دليله في اجتهاده في ذلك الوقت ، فلو كان على بصيرة لما حكم بالخطأ في النظر الأول ، فالخطأ لا يكون مع البصيرة ، وكذلك صاحب العقل ، يزن المتكلم بميزان عقله ما هو خارج عن العقل لكونه وراء طوره ، وهو النسب الإلهية ، لم يقبله ميزانه ويرمي به ، وكفر به وتخيل أنه ما ثمّ حق إلا ما دخل ميزانه ، والمجتهد الفقيه وزن حكم الشرع بميزان نظره كالشافعي المذهب مثلا ، أراد أن يزن بميزانه تحيل النبيذ الذي قبله ميزان أبي حنيفة فرمى به ميزان الشافعي فحرمه ، وقال أخطأ أبو حنيفة ، ولم يكن ينبغي للشافعي المذهب مثلا أن يقول مثل هذا دون تقييد ، وقد علم أن الشرع قد تعبد كل مجتهد بما أداه إليه اجتهاده ، وحرم عليه العدول عن دليله ، فما وفّى الصنعة حقها ، وأخطأ الميزان العام الذي يشمل حكم الشريعة على الإطلاق ، فالبصيرة في الحكم مثل الضروريات للعقول عند من يدعو إلى الله على بصيرة ، فما يدعو إلى الله على بصيرة إلا من كان على بينة من ربه (أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي) من اتبعه صلىاللهعليهوسلم هم ورثة الأنبياء لاشتراكهم في الخبر ، فهو يدعو بمثل دعوة النبي عليهالسلام عباد الله إلى توحيد الله والعمل بطاعته ، بشرعه المنزل المنطوق به حاليا ، لا يزيد على دعاء رسول الله صلىاللهعليهوسلم وعلى ما جاء به من الإخبار بالأمور