لانفراده وانتزاحه عن عباده ، فلو دخل مع الجماعة في العمل ، لألحقه في الحكم بمن أسر وقتل ، فلا تتعرضوا لأصحاب الصوامع ، فإن نفوسهم سوامع ، ترى أعينهم عند السمع تفيض من الدمع ، ما لهم علم بما هم عليه الناس من الالتباس ، تجنبوا الحيف ، وتدرعوا الخوف. ـ تفسير من باب الإشارة ـ
يا عين بالنظر الذي |
|
قد نلت منه تشفعي |
واهمي الدموع ببابه |
|
وتملقي وتصنعي |
يقول الله عزوجل في صفة العارفين بالله : (وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ) ولم يقل علموا فوصفهم بالمعرفة (يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ) ولم يقولوا علمنا.
(وَما لَنا لا نُؤْمِنُ بِاللهِ وَما جاءَنا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنا رَبُّنا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ) (٨٤)
(وَما لَنا لا نُؤْمِنُ بِاللهِ) ولم يقل نعلم (وَما جاءَنا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ) وما قالوا نتحقق (أَنْ يُدْخِلَنا رَبُّنا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ) وهي الدرجة الرابعة (فَأَثابَهُمُ اللهُ بِما قالُوا) ولم يقل بما علموا.
(فَأَثابَهُمُ اللهُ بِما قالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ) (٨٥)
فالعارف دون العالم الصديق ، ولا يسمى عارفا إلا من كان حظه من الأحوال البكاء ، ومن المقامات الإيمان بالسماع لا بالأعيان ، ومن الأعمال الرغبة إليه سبحانه ، والطمع في اللحوق بالصالحين ، وأن يكتب مع الشاهدين ، (فَأَثابَهُمُ اللهُ بِما قالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) فأخبر تعالى أن سماعهم من الكتاب الكبير لا من أنفسهم ، ثم قال : (فَأَثابَهُمُ) ولا نشك أن الصدّيقية درجة فوق هاتين الصفتين اللتين طلب العارف أن يلحق بهما فهو