إن الله تعالى وكّل ملائكة بالأرحام عند مساقط النطف ، فيقلبون النطف من حال إلى حال كما قد شرع لهم الله ، وقدر ذلك التنقل بالأشهر ، وهو قوله تعالى (وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ) أي ما تنقص عن العدد المعتاد (وَما تَزْدادُ) عن العدد المعتاد (وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ) فهو سبحانه يعلم شخصية كل شخص ، وشخصية فعله وحركاته وسكونه ، وربط ذلك بالحركات الكوكبية العلوية ، فنسب من نسب الآثار لها ، وجعلها الله عندها لا لها ، فلا يعلم ما في الأرحام ولا ما تخلّق مما لم يتخلّق من النطف على قدر معلوم إلا الله تعالى ، ومن أعلمه الله تعالى من الملائكة الموكلة بالأرحام (وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ) فالأمور كلها بيديه ، ومع هذا لو ارتفعت الحاجات ، وزالت الفاقات وانعدمت الشهوات ، وذهبت الأغراض والإرادات ، لبطلت الحكمة ، وتراكمت الظلمة ، وطمست الأنوار وتهتكت الأستار ، ولاحت الأسرار ، وزال كل شيء عنده بمقدار ، فذهب الاعتبار وهذا لا يرتفع ولا يندفع وبقي الحكم للأقدار ، فكل شيء عنده بمقدار.
(عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعالِ) (٩)
(الْكَبِيرُ الْمُتَعالِ) الذي لا يحدّه الحد ، ولا يعرفه السيد والعبد ، تقدست الألوهة أن تدرك ، وفي منزلها أن تشرك ، فهو الكبير عن الاتصاف بمثل ما هو عليه الخلق ، وهو تعالى كبير لنفسه (الْمُتَعالِ) على من أراد علوا في الأرض وادعى ما ليس له بحق.
(سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسارِبٌ بِالنَّهارِ (١٠) لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذا أَرادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ) (١١)
هؤلاء المعقبات ملائكة تسخير تكون مع العبد بحسب ما يكون العبد عليه ، فهم تبع له ، ويحفظونه من أمر الله ، أي من حيث أن الله أمرهم بحفظه ، أي من أجل أن أمرهم