الملك المسمى بالرعد مخلوق من الهواء ، كما خلقنا نحن من الماء ، وذلك الصوت المسمى عندنا بالرعد تسبيح ذلك الملك ، وفي ذلك الوقت يوجده الله ، فعينه نفس صوته ، ويذهب كما يذهب البرق وذوات الأذناب (وَهُمْ يُجادِلُونَ فِي اللهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ) المحال الشدة والقوة.
(لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلاَّ كَباسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ لِيَبْلُغَ فاهُ وَما هُوَ بِبالِغِهِ وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ (١٤) وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ) (١٥)
السجود من كل ساجد مشاهدة أصله الذي غاب عنه حين كان فرعا عنه ، فلما اشتغل بفرعيته عن أصليته قيل له : اطلب ما غاب عنك ، وهو أصلك الذي عنه صدرت ، فسجد الجسم إلى التربة التي هي أصله ، وسجد الروح إلى الروح الكل ، وسجد السر إلى ربه الذي به نال المرتبة ، والأصول كلها غيب ، ألا تراها قد ظهرت في الشجر ، أصولها غيب ، كذلك الحق أصل وجود الأشياء ، وهو غيب لها ، والسجود تحية الملوك لما كان السوقة دون الملك ، فالملك له العلو والعظمة ، فإذا دخل عليه من دونه سجد له ، أي منزلتنا منك منزلة السفل من العلو ، فإنهم نظروا إليه من حيث مكانته ورتبته ، ومن سجد فقد تطأطأ ، والتطأطؤ لا يكون إلا عن رفعة ، والرفعة في حق كل ما سوى الله خروج عن أصله ، فقيل له : اسجد ، أي تطأطأ عن رفعتك المتوهمة ، واخضع من شموخك ، بأن تنظر إلى أصلك فتعرف حقيقتك ، فإنك ما تعاليت حتى غاب عنك أصلك ، ومن عرف أصله عرف عينه أي نفسه ، ومن عرف نفسه عرف ربه ، ومن عرف نفسه لم يرفع رأسه ، فالسجود قربة تعريف وتنزيه بما يستحقه الإله من العلو والرفعة عن صفات المحدثات ، فأخبر تعالى بقوله (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ) وهم الأعلون ، قال صلىاللهعليهوسلم [أطت السماء وحق لها أن تئطّ ، ما فيها موضع شبر إلا وفيه ملك ساجد لله] (وَالْأَرْضِ) أي ومن في الأرض ،