يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنابَ (٢٧) الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) (٢٨)
ـ الوجه الأول ـ (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ) الذي ذكرها به (أَلا بِذِكْرِ اللهِ) الذي ذكرها به ، إذا كانت مؤمنة (تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) في تقلبها فتسكن إلى التقليب مع الأنفاس ، وتعلم أن الثبات على حال واحدة لا يصح ، فهو كل يوم في شأن حيث كان ، فما زال الأمر مذ كان من حال إلى حال ، والقلب له عين تبصر ، ومن أبصر أمرا فقد علمه ، وإذا علمه سكن إليه ، فأبصر التقليب دائما ، فعلمه دائما ، فاطمأن به وسكن إليه ، فهو في كل نفس ينظر إلى آثار ربه في قلبه ـ فيما يقيمه وفيما يخرج عنه ـ ما يعطيه فيه وينبهه به عليه ، فلا يزال صاحب هذا المقام في كل نفس في علم جديد ـ الوجه الثاني ـ القرآن ذكر الله ، والطمأنينة سكينة أنزلها القرآن في قلوب المؤمنين ، فكانت آيات بني إسرائيل ظاهرة ، وآياتنا في قلوبنا ، إذ قال الله تعالى في بني إسرائيل في آية طالوت (وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ) فكانت السكينة شهادة في غير هذه الأمة ، غيبا في هذه الأمة ، وبها وبأمثالها كانت الأمة المحمدية خير أمة أخرجت للناس ، فعلامة هذه الأمة في قلوبهم. ومقام الوارث المحمدي في تلاوته كلام ربه عزوجل ، هو سكونه لما يتلوه من كشفه واطلاعه على معانيه ، فهو في حال تلاوته يستذكر ما عنده ، فيطلع على نفسه ، ويسمعه الله نثر كلامه بتأييد الروح القدسي ، فكل من تلا وسكن لما تلا بصدق ، بصورة ظاهر وحكمة باطن ، فذلك تال وصاحب سكينة ، فإن هو تلا وسكن ظاهرا ولم يسكن باطنا ـ والسكون الباطن فهم المعنى الساري في الوجود من تلك الآية المتلوة ، لا يقتصر على ما تدل عليه في الظاهر خاصة ـ فمن تلا هكذا فليس بصاحب سكينة أصلا ولا هو وارث محمدي ، وإن كان من أمة محمد صلىاللهعليهوسلم ، فإن تلا وسكن باطنا ولم يسكن ظاهرا وتعدى الظاهر المشروع ، فذلك ليس بوارث ولا محمّدي ولا بمؤمن ، وهو أبعد الناس من الله ، فإن الروح القدسي أول من يرميه ويرمي به ، والنبي محمد صلىاللهعليهوسلم يقول لربه فيه يوم القيامة : سحقا سحقا. والله عند ذلك لا يسعده ولا يساعده.