(الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ طُوبى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ) (٢٩)
شجرة طوبى غرسها الحق تعالى بيده في جنة عدن ، وأطالها حتى علت فروعها سور جنة عدن ، وتدلت مطلة على سائر الجنات كلها ، وليس في أكمامها ثمر إلا الحلي ، والحلل لباس أهل الجنة وزينتهم زائدا في الحسن والبهاء على ما تحمل أكمام شجر الجنات من ذلك ، لأن لشجرة طوبى اختصاص فضل بكون الله خلقها بيده ، فإن لباس أهل الجنة ما هو نسج ينسج ، وإنما تشقق عن لباسهم ثمر الجنة كما تشقق الأكمام هنا عن الورد وعن شقائق النعمان وما شاكلهما من الأزهار كلها ، كما ورد في الخبر الصحيح كشفا والحسن نقلا ، أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان يخطب بالناس فدخل رجل فقال : يا رسول الله ، أو قام رجل من الحاضرين ـ الشك مني ـ فقال : يا رسول الله ، ثياب أهل الجنة أخلق تخلق أم نسج تنسج؟ فضحك الحاضرون من كلامه ، فكره ذلك رسول الله صلىاللهعليهوسلم منهم وقال : [أتضحكون إن سأل جاهل عالما؟ يا هذا ، وأشار إلى السائل بل تشقق عنها ثمر الجنة] وشجرة طوبى زينها بثمر الحلي والحلل اللذين فيهما زينة للابسهما ، وأعطت في ثمر الجنة كله من حقيقتها عين ما هي عليه ، كما أعطت النواة النخلة وما تحمله من النوى الذي في ثمرها ، وكل من تولاه الحق بنفسه من وجهه الخاص بأمر ما من الأمور فإن له شفوفا وميزة على من ليس له هذا الاختصاص ولا هذا التوجه.
(كَذلِكَ أَرْسَلْناكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِها أُمَمٌ لِتَتْلُوَا عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتابِ) (٣٠)
(وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ) لأنه لم يكن عندهم هذا الاسم ولا سمعوا به قبل هذا ، فلما قيل لهم (اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ قالُوا وَمَا الرَّحْمنُ) فزادهم هذا الاسم نفورا ، فإنهم لا يعرفون إلا الله ، الذين يعبدون الشركاء ليقربوهم إلى الله زلفى ، ولما قيل لهم (اعْبُدُوا اللهَ) لم يقولوا : وما الله؟ وإنما أنكروا توحيده ، وقد نقل أنهم كانوا يعرفونه مركبا (الرحمن الرحيم) اسم واحد كبعلبك ورام هرمز ، فلما أفرده بغير نسب أنكروه ، فقال لهم الداعي :