اللهُ فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ) وعليه يقرب من العبد أضعاف ما يتقرب إليه عبده إذا سعى إليه بالطريق التي شرع له ، فهو يهرول إليه إذا رآه مقبلا تهمما بعبده وإكراما له ، ولكن على صراط العزة ، وهو صراط نزول لا عروج لمخلوق فيه ، ولو كان لمخلوق فيه سلوك ما كان عزيزا ، فهو صراط ممنوع لنفسه ، فالحق سبحانه يختص بالنزول فيه (الْحَمِيدِ) أي الحامد والمحمود ، لأن فعيل إذا ورد يطلب اسم الفاعل والمفعول ، فإما أن يعطي الأمرين معا مثل هذا ، وإما أن يعطي الأمر الواحد لقرينة الحال ، وقد أثنى على نفسه ، فهو الحامد والمحمود.
(اللهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَوَيْلٌ لِلْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ شَدِيدٍ (٢) الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً أُولئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (٣) وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (٤)
(وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ) يعني بلغتهم ولحنهم ، ليعلموا ما هو الأمر عليه ، فإذا خاطبهم ما يخاطبهم إلا بما تواطؤا عليه من التعبير عن المعاني التي يريد المتكلم أن يوصل مراده فيما يريد منها إلى السامع ، فالمعنى لا يتغير البتة عن دلالة ذلك اللفظ عليه ، وإن جهل كيف ينسب فلا يقدح ذلك في المعقول من تلك العبارة ، وإذا ظهر لهم في فعل من الأفعال فلا يظهر لهم إلا بما ألفوه في عاداتهم ، لأنه يريد إفهامهم ، فمن المحال أن يخرج في خطابه إياهم عما تواطؤا عليه في لسانهم ، فالشرائع تنزلت بحسب ما وقع عليه التواطؤ في ألسنة العالم ، فلا يرسل رسول إلا بما تواطأ قومه عليه ، وقد يكون التواطؤ على صورة ما هي الحقائق عليه وقد لا يكون ، والحق سبحانه تابع لهم في ذلك كله ، ليفهم عنه ما أنزله من أحكامه ، وما وعد به وأوعد عليه ، كما قد دل دليل العقل على استحالة حصر الحق