الله بالخير الأخروي لمن أسيء إليه إذا صبر ولم يجاز ، لكان المقرر في العرف بين الناس كافيا فيما في التجاوز والعفو والصفح عن المسيء ، فإن ذلك من مكارم الأخلاق ، ولو لا إساءة هذا المسيء إلّي ما اتصفت أنا ولا ظهرت مني هذه المكارم من الأخلاق ، كما أني لو عاقبته انتفت عني هذه الصفات في حقه ، وكنت إلى الذمّ أقرب مني إلى أن أحمد على العقاب ، فكيف والشرع قد جاء في ذلك! بأن أجر من يعفو ويتجاوز ولا يجازي أنه على الله فلا تدخل ابتداء في اليمين ، فأهل الله في كل نفس مع ما يكشف لهم ، فلا يدرون حكم النفس الثاني ، فلا يحسن بهم التقيد باليمين على أمر في المستقبل.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (٩٠)
قال صلىاللهعليهوسلم : كل مسكر حرام ، فالحكم التحريم ، والعلة الإسكار ، فالحكم أعمّ من العلة الموجبة للتحريم ، فإن التحريم قد يكون له سبب آخر غير السكر في أمر آخر. ولا يطرب الشارب إلا إذا شرب خمرا وإذا شرب خمرا فقد جاء شيئا إمرا ، لأنه يخامر العقول فيحول بينها وبين الأفكار ، فيجعل العواقب في الأخبار فيبدي الأسرار برفع الأستار فحرمت في الدنيا لعظيم شأنها ، وقوة سلطانها. الأزلام : قداحة الميسر ، واحده زلمة وقد أمرنا باجتناب عمل الشيطان في قوله : «فإنه رجس من عمل الشيطان» وهو البعيد من رحمة الله «فاجتنبوه» أي كونوا مع الاسم القريب من الرحمة.
(إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (٩١) وَأَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (٩٢) لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا إِذا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا