والصفح ، ومدح نفسه بإنجاز ما وعد به من الخير ، يقال في اللسان : وعدته في الخير والشر ، ولا يقال أوعدته بالهمز إلا في الشر خاصة ، والتجاوز والعفو عند العرب مما تواطؤا على الثناء به على من ظهر منه ، فالله أولى بهذه الصفة ، وقد عرفنا أن وعيده ينفذ فيمن شاء ويغفر لمن شاء ، ولا ينبغي أن يقال مخلف ، بل ينبغي أن يقال إنه عفو متجاوز عن عبده ، ومع هذه الوجوه فلا يتمكن زوال الرهبة من قلب العبد من نفوذ الوعيد ، لأنه لا يدري هل هو ممن يؤاخذ أو ممن يعفى عنه؟ (لِيُبَيِّنَ لَهُمْ) لتقوم عليهم الحجة إذا خالفوا ، أو يعملوا بما فهموا فيسعدوا ، فوقع البيان ، فما رمز نبي شيئا قط ، لأنه بعث للبيان (فَيُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ) مطلق الضلالة الحيرة والجهل بالأمر وبطريق الحق المستقيم ، فقوله تعالى : (فَيُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ) أي من عرّفه بطريق الضلالة فإنه يضل فيها (وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ) ومن عرّفه بطريق الهداية فإنه يهتدي فيها ، ولما كان العقل السليم يحار في الأخبار الموهمة للتشبيه ويتيه ، فهذا معنى يضل ، أي يحير العقول بمثل هذه الخطابات ـ الصادرة من الله على ألسنة الرسل الصادقة ـ المجهولة الكيفية ، ولا يتمكن للعقل أن يهتدي إلى ما قصده الحق بذلك مما لا يليق بالمفهوم ، ثم يرى العقل أنه سبحانه ما خاطبنا إلا لنفهم عنه ، والمفهوم من هذه الأمور يستحيل عليه سبحانه من كل وجه يفهمه العبد بضرب من التشبيه المحدث ، إما من طريق المعنى أو طريق الحس ، ولا يتمكن للعقل أن لا يقبل هذا الخطاب فيحار ، فثمّ حيرة يخرج عنها العبد ويتمكن له الخروج منها بالعناية الإلهية ، وثمّ حيرة لا يتمكن له الخروج عنها بمجرد ما أعطى الله العقل من أقسام القوة التي أيده الله بها ، فيحار الدال في المدلول لعزة الدليل ، لذلك قال تعالى : (وَهُوَ الْعَزِيزُ) ثم يجيء الشرع بعد هذا في أمور حكم العقل بدليله على إحالتها ، فيثبت الشرع ألفاظا تدل على وجوب ما أحاله ، فيقبل ذلك إيمانا ولا يدري ما هو ، فإنه (الْحَكِيمُ).
(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) (٥)
ـ الوجه الأول ـ (وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ) أي ذكرهم بنعم الله وآلائه ، فإنما نابت