هذا العماء جميع صور العالم الذي قال فيه إنه هالك ، يعني من حيث صوره ، وفي هذا العماء ظهرت الملائكة المهيمة والعقل والنفس والطبيعة ، والطبيعة هي أحق نسبة بالحق مما سواها ، فإن كل ما سواها ما ظهر إلا فيما ظهر منها ، والنفس بفتح الفاء هو الساري في العالم ، أعني في صور العالم ، فالعماء أصل الأشياء والصور كلها ، وهو أول فرع ظهر من أصل (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ) ولكن ما فعل مع جواز إعدام الأشياء بمسكه الإمداد بما به بقاء أعيانها ، ولكن قضى القضية أن لا يكون الأمر إلا هكذا ، ولذلك علق الإذهاب بالمشيئة ، يريد مسك الشرط المصحح لبقاء الوجود عليكم ، فتنعدمون إذ لم يوجده سبحانه ، فإن له التخيير في إيجاد كل ممكن أو تركه على حاله من اتصافه بالعدم. واعلم أن الله لا يرد ما أوجده إلى عدم ، بل هو يوجد على الدوام ولا يعدم ، فالقدرة فعالة دائما ، فإنه ما شاء إلا الإيجاد ، ولهذا قال : (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ) ـ الوجه الأول ـ الذهاب انتقالكم من الحال التي أنتم فيها إلى حال تكونون فيها ، ويكسو الخلق الجديد عين هذه الأحوال التي كانت لكم لو شاء ، لكنه ما شاء ، فليس الأمر إلا كما هو ، فإنه لا يشاء إلا ما هي عليه ، لأن الإرادة لا تخالف العلم ، والعلم لا يخالف المعلوم ، والمعلوم ما ظهر ووقع ، فلا تبديل لكلمات الله ، فإنها على ما هي عليه ـ الوجه الثاني ـ (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ) أي يلحقكم بالعدم أي إعدام الموجود (وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ) إيجاد المعدوم وفي ذلك وصف العدم بالكينونة فانظر كيف أضاف الإلحاق بالعدم إلى المشيئة ولم يضفه إلى القدرة التي يقع الخلق والجعل بها ، والصحيح في ذلك أن الموجودات إذا كانت كما ذكرنا لها أعيان ثابتة حال اتصافها بالعدم الذي هو للممكن لا للمحال فكما أبرزها للوجود وألبسها حاله وعراها عن حال العدم فيسمى بذلك موجدا وتسمى هذه العين موجودة ، لا يبعد أن يردها إلى ما منه أخرجها وهي حالة العدم فيتصف الحق بأنه معدم لها وتتصف هي بأنها معدومة ـ الوجه الثالث ـ (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ) معناه إن يشأ يشهدكم في كل زمان فرد الخلق الجديد الذي أخذ الله بأبصاركم عنه ، فإن الأمر هكذا هو في نفسه والناس منه في لبس ، فبقاء الجوهر ليس لعينه وإنما بقاؤه للصور التي تحدث فيه ، فلا يزال الافتقار منه إلى الله دائما ، فالجوهر فقره إلى الله للبقاء ، والصور فقرها إلى الله لوجودها ، فالكل في عين الفقر إلى الله.